عيدودي يكتب:نحو مقترحات مؤطرة لبرلمان مونديال 2030

يسير المغرب بثبات نحو إنجاح تنظيم مونديال 2030، في إطار شراكة ثلاثية مع إسبانيا والبرتغال، وهو ما يجعل من هذا الحدث الرياضي مناسبة استثنائية لإعادة النظر في المشهد السياسي الوطني. ومع اشتداد التنافس بين الأحزاب على قيادة ما يمكن تسميته بـ”حكومة المونديال”، تصبح المنظومة الانتخابية المدخل الأساسي لإفراز نخبة سياسية جديدة قادرة على مواجهة التحديات المقبلة.
وفي هذا السياق، جاء خطاب العرش لسنة 2025 ، ليرسم خارطة طريق واضحة، أبرز محاورها: ضرورة مراجعة شاملة للقوانين الانتخابية قبل نهاية العام. وقد تم تكليف وزير الداخلية بالإشراف على هذه المراجعة الهيكلية التي تمس أهم القوانين، وعلى رأسها القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 57-11.
المراجعة المرتقبة تمثل محاولة لإعادة صياغة المسار الديمقراطي المغربي في أفق 2026-2031، عبر إصلاحات جوهرية تهم التمثيلية، الفعالية، الاستقلالية، والشفافية.
*أولا:منطلقات المراجعة: نحو تمثيلية أكثر عدلا*
1. رفع تمثيلية النساء إلى الثلث
في انسجام مع التزامات المغرب الدولية، تقترح المراجعة الجديدة رفع عدد المقاعد المخصصة للنساء من 90 إلى 131 مقعد ، أي ما يعادل ثلث تركيبة المجلس. هذه الخطوة النوعية يجب أن تترافق مع معايير ترشيح صارمة تراعي الكفاءة، التجربة، والحضور الميداني، حتى لا تتحول الكوطا إلى مجرد أداة للترضية الحزبية و الولاءات السياسية .
2. مراجعة التقطيع الانتخابي في الحواضر الكبرى
نقترح اعتماد لائحة موحدة في كبريات المدن ك: (الدار البيضاء، الرباط-سلا، طنجة، فاس، مراكش، أكادير)، بهدف تجاوز منطق “نائب الحي” والارتقاء بدور النائب إلى ممثل للأمة. غير أن هذا الاقتراح يجب أن يراعي خصوصيات الأحياء الشعبية والهامشية حتى لا يقصى صوتها لصالح النخب المهيمنة.
3. إعادة إحياء لائحة الشباب
رغم أن الشباب يمثل أكثر من 30% من الكتلة الناخبة، فإن حضوره داخل البرلمان يبقى ضعيفا . نقترح تخصيص 130 مقعد للشباب، على أن يشترط في المترشحين الحد الأدنى من الكفاءة والتجربة .. الهدف هو ضخ دماء جديدة في الفضاء السياسي .. وتوسيع قاعدة النخب الشابة.
*ثانيا:ضبط العمل السياسي: التنافي والاستقلالية*
4. *توسيع قاعدة التنافي مع المناصب المحلية والمهنية*
من أجل تحرير الفعل السياسي من منطق احتكار المناصب، تقترح التعديلات توسيع التنافي بين العضوية البرلمانية ورئاسة الجماعات الترابية والغرف المهنية .. سيمكن ذلك من إشراك طاقات جديدة، خاصة من الشباب والنساء، ويمنع تركيز السلطة في يد قلة من الفاعلين السياسيين .
5. *تعزيز استقلالية المؤسسة التشريعية*
في خطوة تستهدف احترام مبدأ فصل السلط، نقترح منح مكتب مجلس النواب وحده تجريد النائب من عضويته البرلمانية .. دون تدخل من وزارة العدل .. هذا الإجراء المستلهم من تجارب فرنسا وإسبانيا، يهدف إلى حماية النواب من أي توظيف سياسي للقضاء.
*ثالثا:رفع الكفاءة وتوسيع المشاركة*
6. *تمديد آجال الترشح*
تمديد فترة الترشح من 45 إلى 60 يوما سيمكن الأحزاب من إعداد برامج انتخابية أكثر واقعية وفعالية، ويسمح بفتح نقاش عمومي أوسع حول القضايا التي تهم المواطنين .. بدل السقوط في الارتجال والوعود الانتخابية السطحية.
7. *تشديد شروط الأهلية دون إقصاء*
نطرح إمكانية اشتراط شهادة البكالوريا كحد أدنى للترشح، لكن مع توفير بدائل تأهيلية تسمح بدمج مرشحين غير حاصلين عليها من خلال برامج تكوين لاحقة. كما نقترح تخفيف شرط الانتماء الجهوي بالنسبة للنساء، بما يمنحهن حرية أكبر للترشح خارج جهاتهن الأصلية.
*رابعا:نحو حملات انتخابية حديثة وشفافة*
8. *التحول إلى الدعاية الرقمية*
إلغاء الملصقات الورقية واستبدالها بالحملات الرقمية يمثل خطوة نحو تقليل الكلفة وحماية البيئة. لكن هذا التحول يحتاج إلى إطار قانوني صارم ينظم الإشهار السياسي الرقمي، ويضمن شفافيته، ويمنع التلاعب بالمعلومات أو تمويل الحملات من جهات أجنبية.
*خامسا:تمثيلية الجالية المغربية بالخارج: من الشكل إلى الفعل*
تشكل الجالية المغربية قوة ديمغرافية واقتصادية، ومع ذلك، تبقى مشاركتها السياسية محدودة تقترح التعديلات: رفع عدد المقاعد المخصصة للجالية..إلغاء التصويت بالوكالة، وتعويضه بتصويت حضوري خلال عطلة الصيف (غشت)
النظر في اعتماد .. التصويت الإلكتروني، كما هو معمول به في دول مثل إستونيا.. مع إلزام الأحزاب بترشيح ثلاث نساء من الجالية كوكيلات للوائح الجهوية
.. هذه الإجراءات من شأنها تعزيز الارتباط بين مغاربة العالم والمؤسسات الوطنية، وتحقيق نوع من العدالة التمثيلية.
*خاتمة*
إن مراجعة القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 57-11 ، هي خطوة سياسية كبرى لإعادة تشكيل قواعد التمثيل الديمقراطي في المغرب. فالمقترحات الثمانية التي تناولناها —من رفع تمثيلية النساء والشباب، إلى تحديث أدوات الحملات الانتخابية، وتعزيز الاستقلالية المؤسساتية— تشكل في مجموعها رؤية إصلاحية متكاملة تليق بمغرب 2030، مغرب المونديال و العدالة المجالية والديمقراطية الاجتماعية .
*و الحمد لله الذي بحمد يبلغ دو القصد تمام قصده*