طلوع يكتب: الشباب ورهانات المستقبل السياسي… من أزمة التمثيل إلى أفق التحول

طلوع يكتب: الشباب ورهانات المستقبل السياسي… من أزمة التمثيل إلى أفق التحول
بقلم الدكتور عبد الإله طلوع – باحث في القانون العام والعلوم السياسية

من بين أهم الأسئلة التي تشغل الفكر السياسي المغربي اليوم، يبرز سؤال الشباب، ليس بوصفهم فئة عمرية فقط، بل باعتبارهم طاقة رمزية ورأسمالاً اجتماعياً وسياسياً مؤجلاً، يختزن في داخله احتمالات التغيير، وممكنات التحول، فالشباب ليسوا مجرد “موضوع للسياسات العمومية”، بل فاعلاً سياسياً محتملاً، يملك وعياً جديداً بالعالم، مختلفاً عن وعي الأجيال التي سبقته.

غير أن ما يثير القلق هو هذا الانفصام الحاد بين الشباب والسياسة، بين طموح جيلٍ يصرخ في فضاءات التواصل الافتراضي، ونخبٍ تقليدية ما تزال تتعامل بمنطق “الوصاية”. إن تراجع المشاركة السياسية للشباب ليس دليلاً على العزوف كما يروج، بل على أزمة الثقة في المؤسسات، وعلى احتكار النخب القديمة لمفاتيح الفعل السياسي دون تجديد في اللغة أو الرؤية أو الخطاب.

من منظور فلسفة السياسة، يمكن القول إن أزمة الشباب في الفعل السياسي هي في جوهرها أزمة معنى: فحين يغيب المعنى، تغيب المشاركة. السياسة تحوّلت في المخيال الجمعي من فضاء للأمل إلى فضاء للريع والصراع على المناصب. وهنا تتبدى الحاجة إلى إعادة تعريف “العمل السياسي” باعتباره فعلاً قيمياً وتاريخياً لا محض تدبيرٍ للمصالح.

إن الشباب المغربي اليوم يعيش مفارقة وجودية: فهو الأكثر تعلماً، والأوسع اطلاعاً، لكنه في الوقت ذاته الأقل تأثيراً في القرار العام. وهذا ما يجعل الرهان على تجديد النخب أمراً مصيرياً لا تجميلياً، فكل مشروع ديمقراطي يفشل حين يعجز عن تحويل وعي الشباب إلى قوة اقتراح ومساءلة.

على الصعيد النظري، يمكن استدعاء أطروحات هابرماس حول “الفضاء العمومي” حيث تتشكل الإرادة الجماعية عبر النقاش العقلاني، غير أن الفضاء الرقمي اليوم أفرز نمطاً جديداً من التواصل السياسي، يقوم على الهاشتاغ أكثر من الحوار، وعلى ردود الفعل أكثر من الفعل نفسه. ومع ذلك، فإن هذا الفضاء ذاته يمكن أن يكون مختبراً ديمقراطياً جديداً إذا ما أُحسن توجيهه، لأنه يسمح بتعدد الأصوات وتكسر مركزية السلطة الرمزية.

سياسياً، يفرض الواقع ضرورة بناء عقد اجتماعي جديد بين الدولة والشباب، يقوم على المشاركة الفعلية لا التمثيل الرمزي، وعلى تمكين حقيقي لا على إدماج شكلي. فالمطلوب اليوم ليس استمالة الشباب إلى الأحزاب، بل إعادة بناء الأحزاب نفسها كي تصبح قادرة على مخاطبة وعي جديد بلغة العصر.

في المقابل، فإن الشباب مطالبون أيضاً بوعي مسؤول بدورهم، إذ لا يمكن أن تكون السياسة مجالاً للتذمر فقط، بل للمبادرة والتفكير في البدائل.
فالمستقبل السياسي لا يُمنح بل يُنتزع، عبر تراكم الوعي والممارسة والمساءلة.

إن رهان المغرب في العقود المقبلة لن يكون اقتصادياً فقط، بل رهاناً قيمياً وسياسياً بامتياز: هل سنقدر على تحويل الشباب من موضوع للخطاب إلى ذاتٍ فاعلة؟ من متفرجين على اللعبة السياسية إلى صانعين لقواعدها؟

في النهاية، تظل الديمقراطية الحقيقية هي التي تمنح المعنى للمواطنة، وتجعل الشباب شركاء في القرار لا مجرد رقم في الإحصاءات. فكل مشروع وطني يراهن على المستقبل دون أن يضع الشباب في قلبه، إنما يزرع بذور فشله مسبقاً.

الشباب ليسوا مستقبل الأمة فحسب، بل هم اختبارها الأخلاقي والسياسي الأكبر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *