شهادات للبيع وضمائر في المزاد حين يتحول التعليم في المغرب إلى سوق للغش

في زاوية خافتة من مشهد الوطن حيث تلتقي الأحلام بالواقع وحيث تُمتحن المبادئ على محك الضمير يتسلل الفساد في ثوب العلم والمعرفة مختبئًا بين دفاتر الشهادات المزورة ومندسًا في صدور من اعتلوا المناصب زورًا وبهتانًا هو فساد لا يكتفي بتلويث الأفراد بل يمد جذوره السامة إلى أعماق المؤسسات لينهش في صمت كيان الأمة
تُبنى الأمم على أسس العلم وتُشيد حضاراتها على أعمدة المعرفة لكن حين يقف أستاذ بشهادة مزيفة على منبر التعليم تتحول قاعات الدرس إلى مسارح للخداع حيث تُلقن الأجيال أكاذيب لا روح فيها وتنشأ عقول واهنة خاوية من نور الحقيقة من هنا يتخرج جيل من المتعلمين لا يحملون سوى أوراق نُسجت من الوهم ولا يملكون من العلم سوى الألقاب
في المغرب حيث تتنوع المؤسسات التعليمية بين جامعات عريقة وأخرى حديثة وبين مؤسسات خاصة وعامة يتسلل الفساد أحيانًا حتى إلى ردهات العلم نفسها فنجد أن جامعات كجامعة محمد الخامس بالرباط التي تأسست عام 1957 وجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء التي تأسست عام 1975 وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس التي تأسست في العام نفسه كانت وما زالت رموزًا للتعليم العالي لكن ماذا يحدث عندما تتحول هذه المعابد إلى ساحات لمنح الشهادات دون كفاءة
جامعات مثل جامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة محمد الأول بوجدة وجامعة ابن زهر بأكادير تعكس طموح المغرب في نشر التعليم على امتداد رقعته لكن انتشار الشهادات المزورة يهدد هذا الطموح في الصميم أما الجامعات الناشئة مثل جامعة عبد المالك السعدي بتطوان وجامعة مولاي إسماعيل بمكناس وجامعة ابن طفيل بالقنيطرة فهي كذلك ليست في مأمن من هذا الداء الخبيث
وحتى المؤسسات التعليمية الخاصة التي يُفترض أن تتميز بالجودة مثل جامعة الأخوين بإفران التي تأسست عام 1995 والجامعة الدولية للرباط لم تسلم من شبح التزوير الذي يطارد الشهادات بل يتجاوز الأمر إلى المؤسسات التعليمية العليا المتخصصة كمدرسة المهندسين المعماريين بالرباط والمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء والمدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس
في أروقة المستشفيات حيث الحياة على حافة مشرط وحيث الثقة تسبق التشخيص يصبح الطبيب المزور قاتلًا يحمل سماعة يجلس خلف مكتبه بأبهة العالم وهو في حقيقة الأمر جاهل متخفٍ برداء العلم بين يديه تُزهق أرواح وتُشوَّه أجساد بينما ينظر المرضى إليه بعين الأمل دون أن يدركوا أنهم في حضرة الموت المقنع
وعندما يصبح ضابط الشرطة حاميًا لشهادة مزورة وحين يعتلي قاضٍ منبر العدالة بكفاءة مزيفة فإن القانون يُغتال مرتين مرة حين يُداس بأقدام الجهل ومرة حين يُستغل باسم الصلاح فالعدل الذي يُباع في سوق المحسوبية والرشوة ليس سوى مسرحية يُسدل عليها ستار الظلم
إن كانت المدن تُبنى بأيادٍ أمينة فإن الجسور والأبراج التي يشرف عليها مهندسون مزيفون تتحول إلى شراك موت تُشيَّد الطرق لتنهار وتُبنى الأبراج لتتصدع فتتحول أحلام العمران إلى كوابيس يدفع ثمنها الأبرياء بأرواحهم وأموالهم
الفساد بالشهادات المزورة ليس وليد اللحظة بل ثمرة مرة لأشجار من المحسوبية والرشوة وانعدام الرقابة في مجتمعات تُمنح فيها المناصب بالولاءات وتُشترى فيها الكفاءات بالمال يصبح الجاهل عالمًا والكاذب صادقًا ويغدو الوطن مسرحًا للعبث
إحياء روح الصدق والشفافية عبر تعزيز قيم النزاهة في المؤسسات وغرس الوعي بأهمية العلم الحقيقي التدقيق والمراقبة فرض آليات صارمة للتحقق من صحة الشهادات واستحداث أنظمة رقمية لكشف التزوير حماية المبلغين منح الأمان القانوني لكل من يفضح الفساد وضمان عدم تعرضهم للانتقام إرساء العدل الحقيقي من خلال قضاء نزيه يطارد المزورين ويحاسبهم بلا هوادة
في النهاية ليس أخطر ما يهدد الأوطان أن يتقلد الجاهل منصب العالم أو أن يجلس المزور على كرسي السلطة بل أن يعتاد الناس على هذا المشهد أن يصبح الفساد عادة تُبرر والكذب سلمًا يُصعد به لكن يبقى الأمل قائمًا ما دامت هناك أقلام تُنير الظلام وأصوات ترفض الصمت وقلوب تنبض بحب وطن يستحق الحياة