سياسة تكريس متلازمة التفاهة لبناء مجتمع فارغ المحتوى ..

سياسة تكريس متلازمة التفاهة لبناء مجتمع فارغ المحتوى ..
بقلم: عمر اياسينن

في زمن الأزمات، تُصنع التفاهة عمدا. نعم، لم يعد التافه يبرز من تلقاء نفسه، بل يلمع ويسوق ويروج له، ويقدم على أنه القدوة والنموذج. في المقابل، يقصى كل صاحب فكر ورؤية ومشروع. إنها سياسة ممنهجة تستند إلى منطق الإلهاء، وتستقوي بمبدأ الإغراء، هدفها واحد: خلق مجتمع فارغ المحتوى، صاخب المظهر، بلا بوصلة.

حين تختزل النقاشات في خلافات سطحية، و”الترند” يبتلع العقول، ندرك أن الإلهاء لم يعد مجرد أداة ترفيه، بل استراتيجية للتحكم الجماعي. في كل مرة يعلو فيها صوت الحق، يغرقوه في زحمة التفاهات. يستهلك المواطن ساعات يومه في تتبع ما لا ينفع، وتسحب منه ببطء قدرته على التفكير والتمييز.

الوجه الثاني للمتلازمة هو الإغراء. من أصبحوا نجوما اليوم ليسوا علماء أو مفكرين أو مبدعين، بل أشخاص احترفوا الصراخ، العري، والتسويق للسطحية. المال والشهرة أصبحتا متاحتين فقط لمن يبيع أكثر ما هو فارغ. إنها سياسة “كافئ التافه، وامنح العاقل حافة المقصاء”.

تتراكم النتائج أمام أعيننا شباب يحب أن يرى، لا أن يفكر. مجتمع يفضل الشهرة على القيمة. إعلام يلمع من لا يستحق، ويقصي من لا يطوع. وتصبح السياسة لعبة صوت مرتفع لا مشروع وطني، وتغيب الأسئلة الحقيقية من نحن؟ وإلى أين نذهب؟ ومن يصنع أولوياتنا؟

حين تصبح التفاهة سياسة عمومية غير معلنة، يتحول الإنسان من مواطن فاعل إلى مستهلك منفعل، لا دور له سوى التفاعل اللحظي، والتصفيق لمن يقدم له كـ”نجم”، في حين أن من يدفع ضريبة هذا العبث هم الأجيال القادمة، ومستقبل الوطن.

الرداءة لا تنتصر لأن أصحابها أقوياء، بل لأن أهل العقل يصمتون أو يقصون. مقاومة التفاهة تبدأ من الوعي، من التربية، من الإعلام، من كل صوت يرفض أن يكون مجرد متفرج على سقوط جماعي.

لنتفق جميعًا على هذه القاعدة البسيطة: لا حرية مع جهل، ولا تقدم مع تفاهة، ولا مواطن بلا وعي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *