سوريا على مفترق الطرق: هل يُفضي الانقسام الداخلي إلى رجوع النظام القديم أم إلى اندلاع حرب أهلية جديدة؟

في سياق التطورات الأخيرة و المستمرة بسوريا، اتضحت رغبة العديد من اللاعبين على خريطتها العسكرية، في الانقلاب على حكومة ” أحمد الشرع”، وذلك ما يؤشر على إمكانية عودة محتملة للنظام السوري السابق، في أفق ثلاث سنوات ونيف القادمة، إذ إن الحركة التي شهدها الساحل السوري، تؤكد انخراط قوى رئيسية فيها ، ومؤثرة على الخريطة العسكرية بسوريا، حيث قادت هذه الحركة ثلاث فصائل اشتملت على مليشيات الجنوب بقيادة أحمد عودة، وجنود الرئيس السوري بشار الأسد، وقوات قسد.وذلك لاستعادة السيطرة على الساحل السوري ، و من ثم تثبيت هذه السيطرة على طرطوس و اللاذقية، مما كان سيعيد معه سيطرة الروس و الإيرانيين على حلب، من جهة الخلف، وهو تكتيك عسكري لوحظ جنوب وشرق سوريا انطلق من الحدود الجنوبية، إذ ذاك ما يرفضه الجيش الإسرائيلي، لأنه يسهل الطريق لعودة الملشيات الإيرانية، وهو ما انتبه إليه الروس، مما يفرض حتما عزل العلاقة بين الجيش الروسي و الحرس الثوري الإيراني على الساحة السورية لضمان الوجود الروسي، استنادا للتحذير الذي أرسلته شعبة الاستخبارات “أمان” داخل الجيش الإسرائيلي للجيش الروسي،عبر خط الاتصال المفتوح بين الجيشين مؤخرا، لأن ذلك حسب تقييم الاستخبارات الإسرائيلية للوضع، سيتيح تدفق عناصر حزب الله لحمص، ويعمل على تقويض السياسة الخارجية اللبنانية المنفتحة على الإقليم، بعد نجاح الفرقاء السياسيين اللبنانيين في تسمية رئيس جديد للبنان، والذي صرح أنه يسعى للاتجاه بالبلد نحو أفاق التنمية و الازدهار، وهو ما يضع معه المخابرات العامة اللبنانية في مواجهة التدخل الإيراني بلبنان ، و المرفوض من محور الرياض-أبوظبي.
إلى ذلك، تمت عرقلة هذه الحركة التي شهدتها سوريا بسبب انخراط الحرس الثوري فيها، مما زاد في احتدام الصراع بين الجيشين التركي و الروسي، حيث ترى استخبارات”إم.أي.تي” التركية، خطرا روسيا قادما قد يمتد لحدودها،إن وجد الروس موطأ قدم من جديد على الأرض السورية، وهو ما سيطور الصراع بين الاستخبارات التركية في مواجهة نظيرتها “فافاك” الإيرانية على رقعة الإقليم كلّه.
في السياق ذاته، أصبح الجيش التركي في مواجهة مباشرة لنظيره الروسي، بعد محاولة الانقلاب على حكومة “أحمد الشرع”، مما ينذر بانتقال المواجهة من جديد بين الجيشين إلى الساحة الليبية، بعد فترة الهدوء التي عمت ليبيا المنقسمة بين شرق و غرب، وهو ما تؤكده رغبة الروس الحثيثة في العودة بقوة لسوريا، عبر إدارة انقلاب ضد حكومة ” أحمد الشرع”، إنْ فشل الأتراك في التصدي لخطوات “الكرملين” على الأرض السورية.
لذلك، إن نتائج التطورات الأخيرة و المستمرة على الساحة السورية، ستهيء الوضع لترتيب جديد داخلها أفق منتصف سنة 2028 م، وهو ما تأكد بعد المباحثات الموسعة لدول جوار سوريا بعمان، والذين اجتمعوا لبحث و تقييم التطورات الجديدة ، ولمنع عودة “داعش”، لأن إسرائيل تضع خطا أحمرا لأي مقاربة قد ينطلق منها الإيرانيين و حزب الله، بمناطق درعا و القنيطرة و السويداء،إذ ستواجه إسرائيل و بحزم أي تحرك يوصف بالإرهابي داخل و خارج حدود هذه المناطق، وهو ما أدى بجيش التسحال للتقدم نحو جبل الشيخ لتأمين الجولان و مناطق الدروز و لرصد وضرب أي تسلل للملشيات الإيرانية.
من جهة أخرى، فإن تصريحات “خاميئي”، تضع معها “دونالد ترامب”، في مأزق و مفترق طرق ما بين دعمه لإسرائيل الكبرى، وحفاظه على مصالح روسيا وحلفائها، و من ضمنهم إيران.لأن إخضاع تصريحات المرشد الإيراني الأخيرة للتحليل النفسي ، تؤكد أن طهران مطمئنة لتصرفات “دونالد ترامب” إزاء العلاقة المركبة التي تجمع ما بين روسيا و إيران، و ما يحث “الكريملين” ترامب على فعله. وهي شكوك تنطلق من داخل مجتمع الاستخبارات الأمريكي ، بعد ثبوت زيارة “دونالد ترامب” لموسكو سنة 1987 م، بإيعاز من ابنة سفير الاتحاد السوفياتي بواشنطن سابقا.
ولتأكيد عكس ما يتداوله مجتمع الاستخبارات الأمريكي قد يضطر الرئيس الأمريكي” دونالد ترامب” للدفع بإيران للتخلي عن برنامجها النووي، أو التلويح في وجهها بالخيار العسكري، إن لم تنجح المزيد من العقوبات الاقتصادية في إخضاعها، لأن استمرار طهران في هذا البرنامج أصبح أمرا غير مقبول من دول الإقليم و الخليج العربي ومعه إسرائيل. وهو ما يُتوقع أن يزيد من مستوى الضغط الشعبي الإيراني على المرشد “خامنيء” وحكومته.
وبالعودة للملف السوري، فإن الدول العربية و معها إسرائيل يرفضون عودة الإيرانيين للساحة السورية، وبرأي مراقبين عسكريين كثر ، فإن تكتيكات التطورات الجارية ستشدد الخناق على حكومة ” أحمد الشرع”، في ظل الصراع المتنامي بين الجيشين الروسي و التركي، والذي من شأنه و هذه التطورات الجارية أن يُحدد مستقبل سوريا، ومعه مستقبل تركيا بشرق المتوسط .ليظل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل تنجر سوريا لثورة مضادة؟ وهل يعود معها النظام السابق؟ أم تتحول سوريا إلى ساحة قتال داخلي؟
صحافي مغربي
باحث في العلاقات الدولية