سطات من فوق السطح: حين تُطل المدينة على واقعها من علٍ

احتساء قهوة المساء من فوق أحد أحياء سطات المرتفعة لا يمنحك فقط متعة النظر إلى فسيفساء الأضواء المتناثرة هنا وهناك، بل يدفعك للتفكر في مصير مدينة عالقة منذ سنوات في عنق زجاجة التنمية، تائهة بين رهانات سياسية مكررة ووعود انتخابية لا تصل إلى رصيف التنفيذ.
من علُ، تبدو سطات هادئة كما عهدها الكثيرون، لكن خلف هذا السكون تكمن أسئلة موجعة عن مآلات مجلس جماعي شارف على نهاية ولايته دون أن يلامس انتظارات ساكنته، وعن مواطن فقد الثقة في جدوى السياسة وفاعلية الفاعل الجماعي.
أشهر قليلة تفصلنا عن لحظة الحقيقة، لحظة المحاسبة الديمقراطية التي يفترض أن تُمارس عبر صناديق الاقتراع، غير أن المشهد في سطات يبدو وكأنه يعيد إنتاج نفسه: وجوه قديمة تستعد للعودة، تُعقد الاجتماعات في المقاهي، وتُنسج التحالفات في صمت، وتُوزع الأدوار بين “الشناقة” في السوق الانتخابي، وكأن شيئاً لم يكن.
المفارقة الكبرى أن المواطن السطاتي لم يعد يطلب الكثير. هو فقط يبحث عن جرعة أكسجين حقيقية، لا شعارات جوفاء، ولا خطابات منمقة تُردد في الدورات والجلسات الرسمية. يبحث عن مدرسة تحفظ كرامة أطفاله، عن مستشفى لا يعتذر له عن غياب الطبيب، عن إنارة لا تنطفئ مع أول قطرة مطر، وعن مجلس يُشعره بوجوده كمواطن، لا كرقم انتخابي موسمي.
وإذا كانت المدينة اليوم بحاجة إلى شيء، فهو ليس “مجلسا جديدا” فقط، بل إلى عقل سياسي جديد، يتقن لغة التنمية وليس فقط لغة الشعارات. تحتاج سطات إلى خارطة طريق حقيقية، تشخص الواقع بجرأة وتبني أولوياتها على أساس حاجيات الناس، لا على أساس التوازنات الحزبية.
نحن لسنا ضد من يراهن على النهوض بالمدينة، بل ضد من جعل من هذا الرهان سلعة انتخابية تُعرض في كل موسم ثم تختفي. الوقت ينفد، والتاريخ لا يرحم، وقد آن الأوان ليقف الجميع أمام المرآة ويسأل نفسه: ماذا قدمت لسطات؟
من فوق هذا السطح، تبدو المدينة أقرب إلى القلب، لكنها أيضًا أقرب إلى السؤال: متى تنزل التنمية من برجها العاجي إلى الأزقة والدروب التي مازالت تنتظر؟