سطات… مدينةٌ تُحتضَر بصمت: حين تتكامل أخطاء المنتخبين ومسؤولي الإدارة ولامبالاة المواطن في صناعة الخراب
إنّ الوضع المتردّي الذي تعيشه مدينة سطات اليوم ليس حادثاً عابراً ولا أزمة تقنية يمكن احتواؤها ببلاغات التبرير، بل هو نتيجة مسار طويل من الإهمال، وتراكمات بنيوية صنعتها سياسات عمومية اختارت أن تدير المدينة بمنطق التجريب لا بمنطق التخطيط، وأن تخدم مصالح فئات محدودة بدل الاستثمار في الحقوق الأساسية للمواطنين. الأزمة لم تعد في الشوارع وحدها، ولا في البنية التحتية المتهالكة، ولا في المشاريع التي تبدأ ولا تكتمل، بل في العقل التدبيري الذي يعتبر المدينة مجالاً هامشياً لا يستحق الإنصات ولا التتبع ولا المحاسبة.
أخطر ما يواجه سطات اليوم هو هذا التعايش الطبيعي مع الرداءة. مسؤولون منتخبون يوزّعون الوعود كما تُوزّع المنشورات الانتخابية، دون رؤية ولا جرأة ولا مساءلة؛ وإدارة ترابية تتحرك بمنطق ترقيعي، تُطفئ ناراً هنا وتُسكت احتجاجاً هناك، بينما يستمر النزيف في عمق المدينة دون أن يُسمع له صوت. فحين تتحول الشوارع إلى حفر، والإنارة العمومية إلى ظلام، والخدمات الحيوية إلى ترف، وتصبح مشاريع التنمية مجرد عناوين للاستهلاك الإعلامي، فاعلم أن الخلل لم يعد تقنياً بل أصبح مؤسسياً.
غير أن المسؤولية لا تتوقف عند المنتخبين ولا عند الإدارة وحدهما. فالمواطن السطاتي ساهم – بصمته الطويل – في تعميق الأزمة. أصبح يتعايش مع الأعطاب اليومية كأنها قدر مكتوب: يقفز فوق الحفر، يتحمل انقطاع الماء، يصبر على التهميش، ثم يعود إلى بيته دون أن يرفع صوته أو يمارس حقه في الضغط والاحتجاج السلمي. تحول جزء من المجتمع إلى متفرّج سلبي، يكتفي بالتذمر على مواقع التواصل، لكنه في الواقع يترك المدينة تُستنزف دون مقاومة حقيقية.
إن أخطر ما يحدث اليوم هو تواطؤ الصمت: صمت النخب، صمت الفاعلين المدنيين، وصمت المواطنين، هذا الصمت هو الذي يعطي الشرعية لاستمرار نفس الوجوه ونفس الأساليب، ويُحوّل الفشل إلى واقع دائم. فمدينة لا يحتج سكانها، ولا يحاسب ناخبوها ممثليهم، ولا يرفع مجتمعها المدني صوتاً قوياً، ستظل دائماً لقمة سائغة في يد العبث التدبيري.
الأزمة في سطات ليست فقط أزمة طرق متآكلة ولا أحياء مهمشة ولا مشاريع متوقفة، بل هي قبل ذلك أزمة نموذج تدبيري كامل، نموذج يفتقر للتخطيط الاستراتيجي، للجرأة السياسية، وللمحاسبة الصارمة. كيف لمدينة بهذا الحجم أن تعيش كل هذه الهشاشة في البنية التحتية؟ كيف يُعقل أن تستمر الاختلالات لسنوات دون تقييم ولا تصحيح؟ وكيف يمكن لمنتخبين مسؤولين أن يتحدثوا عن التنمية وهم عاجزون عن تدبير الأساسيات؟
أما الإدارة الترابية، فهي الأخرى سجينة منطق “التدبير اليومي”. تقارير تُرفع، ملاحظات تُسجّل، اجتماعات تُعقد… لكنّ النتائج على الأرض صفرية. غياب الحكامة، ضعف التنسيق، انعدام الجرأة في اتخاذ القرار، كلها عناصر تُحوّل الجهاز الإداري إلى كيان صامت يراقب الأعطاب دون أن يملك الشجاعة لمواجهتها.
ومع كل هذا، يخرج البعض ليقدّم لنا مشاهد التبرير في شكل مسرحيات سياسية باهتة، يتبادل فيها المسؤولون الأدوار بين الضحية والفاعل، ويقنعون أنفسهم بأن مجرد تبرير الفشل يرفع عنهم المسؤولية. والحقيقة أن حجم الأزمة أكبر من محاولات إخفائها، وأن سطات لم تعد تتحمل المزيد من الهروب إلى الأمام.
إن المدينة تحتاج اليوم إلى صحوة جماعية، لا إلى خطابات مناسباتية. تحتاج إلى منتخبين بجرأة سياسية، وإدارة بفاعلية، ومواطنين يمارسون حقهم في الرقابة والمساءلة. التنمية ليست شعاراً، بل معركة يومية تُخاض بالوعي والضغط والتحرك الجماعي.
الخلاصة واضحة: سطات تحتضر بصمت، ليس لأن قدرها التهميش، بل لأن من يدبر شؤونها لا يحمل رؤية، ولأن من يُفترض فيهم الدفاع عنها اختاروا الصمت.
والمدينة التي يصمت سكانها عن أعطابها، محكوم عليها أن تعيش داخل دائرة الفشل نفسها، حتى يقرر أبناؤها – مسؤولين ومواطنين – أن زمن الرداءة قد انتهى وأن وقت التغيير قد حان.

