سطات… حين تُهانُ حرمةُ القسم: ضرورة تشريعات صارمة لوقف عبث “اللايفات” داخل المدرسة
بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع
لم تعد الظاهرة مجرد سلوك فردي معزول، بل تحوّلت إلى أسلوب حياة رقمية جديدة تتسلل إلى المدرسة المغربية، بعض الأستاذات، وبدل أن يجسدن قيم الانضباط والقدوة والرسالة التربوية، أصبحن يقدمن الدروس عبر “لايفات” تيكتوك، ويحوّلن الأقسام إلى فضاءات تصوير مباشرة، وكأن الأمر يتعلق بمحتوى ترفيهي لا برسالة تعليمية. وهذا الانحراف الخطير، الذي بدأ يظهر في مدينة سطات وعدد من المدن المغربية الأخرى، يهدد ما تبقى من الهيبة الرمزية للمدرسة.
إن الفصل الدراسي ليس مكاناً للتجارب الرقمية ولا لاستعراض المؤثرات البصرية، وليس مسرحاً للرقص أو للعبث أمام كاميرا الهاتف. إنه فضاء مقدس لبناء المعرفة، وصناعة المستقبل، وترسيخ قيم المواطنة والمسؤولية.
وما يحدث اليوم هو خروج عن هذه الوظيفة النبيلة، بل يمكن اعتباره اعتداءً على حرمة التعليم نفسها.
في سطات، تكررت الوقائع بشكل يثير القلق. أستاذات يتفرغن للتصوير أثناء الزمن المدرسي، ينقلن تفاصيل الدروس على المباشر لجمهور يبحث عن الترفيه أكثر مما يبحث عن التربية، وهناك من تورطت في محتوى لا يليق بمهنة التعليم، من رقص، ومزاح مبتذل، وإيحاءات لا تليق بفضاء تربوي. وما بين هذه وتلك، تظل المدرسة هي الضحية الأولى.
والمثير للاستغراب أن هذه الممارسات لا تتم في الخفاء، إنها تُبث مباشرة، تُشارك على نطاق واسع، وتصل إلى آلاف المتابعين. ومع ذلك، لا نرى إجراءات زجرية واضحة، ولا مساءلات صارمة، وكأن المدرسة بلا أسوار قانونية. فإلى متى سيبقى الصمت هو اللغة الرسمية في التعامل مع هذه الظواهر؟
إن المسؤولية هنا لا تقع على الأستاذات وحدهن، بل تمتد إلى المديرين، والمفتشين، والمديرين الإقليميين. أين التقارير؟ أين الزيارات المفاجئة؟ أين التوجيهات الملزمة؟ أين القرارات التأديبية؟ أليس من واجب الإدارة حماية المدرسة من الانحرافات التي تضرب مصداقيتها؟ أم أننا أصبحنا نعتبر العبث التربوي شأناً عادياً ما دام يجري في شاشة صغيرة؟
الحقيقة أن التساهل مع هذه السلوكات أصبح خطراً يهدد المنظومة التعليمية برمتها. فالأستاذة التي تصور تلاميذها دون إذن، وتنشر صورهم على المباشر، ترتكب خرقاً قانونياً واضحاً يتعلق بالخصوصية وبحماية المعطيات الشخصية.
والأستاذة التي تستغل الزمن المدرسي من أجل الربح الإلكتروني ترتكب إخلالاً مهنياً يوجب العقوبة. والأستاذة التي ترقص أو تتصرف بشكل يمس بكرامة المهنة تسيء إلى صورة التعليم بأكمله.
ولذلك، فإن الحل لن يكون إلا تشريعياً وقانونياً، لا بد من إصدار قوانين واضحة تمنع بشكل صريح:
تصوير التلاميذ والأقسام داخل المؤسسات التعليمية.
استعمال منصات البث المباشر أثناء العمل.
استغلال الزمن المدرسي لأغراض تجارية أو رقمية.
تحويل الأنشطة التربوية إلى محتوى ترفيهي بغرض الربح.
كما يجب أن تتضمن هذه القوانين عقوبات صارمة، تبدأ من الإنذار، مروراً بالتوقيف المؤقت، وصولاً إلى العزل في الحالات الخطيرة. فالمدرسة ليست في حاجة إلى “مؤثرات”، بل إلى مربيات يقدمن القدوة الحسنة وينتصرن للقيم المهنية.
إن ما يجري اليوم في سطات ليس حالة محلية، بل مرآة لما يحدث في مدن مغربية أخرى، حيث تحول تيكتوك إلى فضاء يجذب بعض العاملات في قطاع التعليم، ويغريهن بالمال والانتشار، على حساب الميثاق الأخلاقي للمهنة. وإذا لم نتحرك الآن، فقد نجد أنفسنا أمام جيل كامل يرى في الأستاذة “محتوى” قبل أن يراها “قدوة”، وفي المدرسة “مشهد تصوير” لا “مكان تعلم”.
حان الوقت لإعادة الاعتبار للمدرسة، ولحماية هيبتها من العبث الرقمي. فلا إصلاح تعليمي يمكن أن يتحقق في ظل فوضى أخلاقية، ولا مستقبل يمكن بناؤه على أساس هش يهرّب القيم من أجل لايكات لا تنفع أحداً.
لقد آن الأوان ليقوم كل مسؤول بدوره: من الوزارة إلى المدير، ومن المفتش إلى الأستاذة، لأن ما هو على المحك ليس مجرد درس… بل هو مصير جيل كامل.

