رحم الله “الصحافة”… مهنة المتاعب بين الابتذال والتطاول

قد لا يختلف اثنان اليوم حول ما آل إليه حال المهنة التي كانت تسمى ذات مجد “السلطة الرابعة”، قبل أن تعبث بها أيادي التطفل والتسيّب التنظيمي، وتُداس هيبتها تحت أقدام من لا يفرّق بين الخبر والرأي، ولا بين المهنية والانتحال.
واقع الإعلام بالمغرب اليوم يثير الشفقة أكثر مما يثير الغضب. انحدار أخلاقي ومعرفي غير مسبوق وهيمنة فوضى منظمة داخل قطاع أصبح مرتعا للابتزاز والتسلق، بدل أن يكون حارسا أمينا للضمير المغربي. صارت “الصحافة” ملاذا لمن لفظهم كل شيء منها التعليم والتكوين والكرامة. وصارت المهنة في يد من لا يتقنون حتى كتابة جملة مفيدة، ولا يخجلون من خلط “التاء المبسوطة” بـ”المربوطة”، والظاء بالضاد، ثم يتحدثون عن “التكوين المستمر”.
الراحل المهدي المنجرة تحدث عن “تلوّث المجرى بسبب تلوث الروافد”، وها نحن نرى بأم أعيننا كيف تلوّث الجسد الإعلامي، لا فقط بمنعدمي التكوين، بل أيضا بمنظمات ونقابات وجمعيات خلقت لتكون أداة للفرز والضبط، فإذا بها تنخرط في لعبة صراع المواقع والولاءات، وتغض الطرف عن الانحطاط المهني الذي يعصف بالمشهد.
تعدد الهيئات وتضارب الأجندات، وتكريس منطق “من يملك أكثر يحكم أكثر”، جعل الجسم الصحفي منقسما على ذاته، مستنزفا في معارك وهمية، تارة باسم “التمثيلية”، وتارة باسم “الدفاع عن المهنة”، بينما الحقيقة أن لا تمثيلية حقيقية ولا دفاع، بل تسابق محموم نحو الشرعية الشكلية، وسباق عبثي نحو الدعم، والمناصب، والجاه الفارغ.
ووسط هذا الركام، يغيب الصحفي الحقيقي، الميداني، حامل همّ الناس، وناقل نبضهم بموضوعية. يهمش صاحب القلم النظيف، ويقصى من لا يجيد لعبة التوازنات، بينما يتصدر المشهد من يحسن التقاط صور “السيلفي” في الندوات، أو من يصنع من “البادج” بطاقة عبور لا شرف مهنة.
ألم يحن الوقت بعد لتطهير الجسم الإعلامي من هذا العبث؟ أليس من الأولى تنظيم المهنة وفق معايير دقيقة…. تكوين أكاديمي أخلاقيات صارمة، ومؤسسات لا تبنى على الزبونية؟ أم أننا سنواصل الغرق في مستنقع صحافة اللايفات، والنسخ واللصق، والهرولة خلف “البوز” على حساب الحقيقة؟
إنها بالفعل مهنة المتاعب… لكنها اليوم مُتعبة ومتعبة، أتعبها المتطفلون، وشوهها صراع التنظيمات، وأفرغتها المؤسسات من محتواها. فرحمة الله على صاحبة الجلالة، وعلى زمن كانت تهاب فيه افتتاحية، وتنتظر فيه كلمة صباحية من صحفي وازن، لا “لايف” جوّال يطارد الولائم، ويكتب: “إن لم تستحيي، ستصنع ما تشاء”.