دور الشباب والأحزاب السياسية في بناء الدولة وتقدمها

دور الشباب والأحزاب السياسية في بناء الدولة وتقدمها
الدكتور المصطفى قاسمي استاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية جامعة الحسن الاول - سطات

يُعدّ الشباب عماد الأمة وأساس نهضتها، فهم القوة الحيوية التي تقوم عليها حركة المجتمع وتطوره. يمثل الشباب طاقة متجددة تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، بفضل ما يتميزون به من حيوية وطموح وإبداع. ومن خلال أفكارهم الجديدة وقدرتهم على التكيف مع التغيرات، يسهمون في تطوير الاقتصاد، والعلوم، والتكنولوجيا، والثقافة، وكل مجالات الحياة. كما أنهم يشكلون نواة القيادة المستقبلية التي ستحمل مسؤولية بناء الوطن واستمرارية تقدمه. ولا تقتصر أهمية الشباب على العمل والإنتاج فحسب، بل تمتد إلى دورهم في الدفاع عن الوطن وحماية أمنه واستقراره، والمشاركة في المبادرات التطوعية التي تعزز روح التضامن داخل المجتمع. ومن ثمّ، فإن الاستثمار في تعليم الشباب وتأهيلهم هو استثمار في مستقبل الأمة، لأنهم الجسر الذي يربط بين حاضرها ومستقبلها، وبين أصالتها وتطلعاتها نحو التقدم والازدهار.

وانطلاقاً من وعيهم السياسي وحسّهم الوطني، يمكن للشباب أن يساهموا بقوة في تقدم الدولة من خلال انخراطهم في العمل السياسي واندماجهم في الأحزاب والمشاركة في الحياة العامة. فبفضل طاقاتهم وحماسهم، يستطيع الشباب أن يجددوا الحياة السياسية ويضفوا عليها روح المبادرة والإبداع. إن مشاركتهم الفعالة تتيح لهم التعبير عن تطلعات جيلهم، والمساهمة في صياغة قرارات تعكس حاجات المجتمع وتخدم المصلحة العامة. كما يسهم الشباب، من خلال التزامهم السياسي، في محاربة الفساد وترسيخ مبادئ الشفافية والديمقراطية. ومن خلال الأحزاب، يكتسبون خبرة في القيادة والعمل الجماعي، مما يؤهلهم ليكونوا قادة الغد القادرين على بناء وطن قوي يسوده العدل والازدهار.

وفي المقابل، تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية كبرى تجاه الشباب، فهي مطالبة بأن تفتح أمامهم المجال للمشاركة الفعلية في الحياة العامة. فبدون تأطيرهم وتكوينهم، لا يمكن إعداد جيل سياسي قادر على مواصلة مسيرة التنمية. كما يجب على الأحزاب أن تمنح الشباب الفرصة لتحمل المسؤوليات داخل هياكلها، وأن تصغي إلى آرائهم وتدعم مبادراتهم، لأنهم يمثلون طاقة متجددة وأمل المستقبل. إن إشراك الشباب في العمل الحزبي ليس مجرّد خيار، بل هو ضرورة لضمان استمرارية الديمقراطية وتجديد النخب وبناء دولة حديثة قائمة على المشاركة والشفافية.

غير أن عدم قيام الأحزاب بهذه الأدوار ينعكس سلباً على الدولة وتقدّمها، إذ يؤدي إلى عزوف الشباب عن الاهتمام بالشأن العام، ويضعف المشاركة السياسية ويجعل الحياة الحزبية فاقدة للروح والمصداقية. كما أن غياب الشباب عن مراكز القرار يُفقد الدولة طاقتها الإبداعية وقدرتها على التجدد ومواكبة العصر. لذلك، فإن إهمال الأحزاب لدورها في تأطير الشباب لا يضر فقط بمستقبل السياسة، بل يُعيق ازدهار الوطن وتقدّمه في مختلف المجالات.

ومن هنا، فإن للدولة كامل الشرعية والواجب في أن تتدخل لتقويم عمل الأحزاب السياسية، باعتبارها شريكًا أساسيًا في التنمية والديمقراطية. ويكون هذا التدخل من خلال إعادة النظر في القوانين المنظمة للأحزاب، بما يضمن تجديد هياكلها وتفعيل مشاركتها في تأطير الشباب وتمكينهم من المسؤولية. كما يمكن للدولة أن تُقيّم أداء الأحزاب عبر آلية التمويل العمومي، سواء المتعلق بالانتخابات أو بالدعم السنوي، حتى يُربط التمويل بمدى التزام الحزب بدوره الوطني في تكوين وتأطير الشباب وخدمة المصلحة العامة. فالتقويم والرقابة لا يُقصد بهما التضييق، بل ضمان شفافية الحياة الحزبية وجودتها في خدمة الوطن والمواطن.

كما تتحمّل الأحزاب السياسية مسؤولية كبيرة في ترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية والديمقراطية، واحترام الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة. فالحزب لا يُفترض أن يكون مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، بل مدرسة لتربية المواطنين على قيم المواطنة، والنزاهة، واحترام القانون، وقبول الاختلاف. ومن واجب الأحزاب تعزيز ثقافة الحوار والتسامح وأن تكون نموذجًا في احترام الدستور والمؤسسات. أما مخالفة هذه المبادئ أو تجاوزها، سواء عبر خطاب الكراهية، أو زرع الفتنة، أو استغلال الدين والمصلحة العامة لأغراض شخصية، فإنها تشكل خطرًا على استقرار الدولة ووحدتها. ولهذا، يحق للدولة اتخاذ كل الإجراءات المناسبة ضد الأحزاب أو القيادات المخالفة، بدءًا بالمراقبة والتقويم، وصولاً إلى العزل عند الضرورة، حفاظًا على النظام الديمقراطي وصونًا لقوة الدولة وهيبتها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *