حين ينتصر المنتخب وتغرق المدينة: في أخلاقيات الفرح العمومي
بقلم الدكتور عبد الإله طلوع
كيف يمكن للإنسان أن يفرح وقلبه مثقل بالحزن؟
سؤال يبدو بسيطًا، لكنه في العمق سؤال أخلاقي وسياسي وإنساني معقّد.
تأهلُ المغرب لنهائي كأس العرب لحظة فرح جماعي،
فرحٌ مشروع في ظاهره،
لأنه ثمرة مجهود رياضي،
وتعب لاعبين،
وحلم جمهور يبحث عن انتصار رمزي.
لكن، في الجهة الأخرى من الوطن،
كانت مدينة تغرق،
وأرواح تُنتزع من الحياة بلا وداع،
ليس بفعل القدر وحده،
بل بفعل الإهمال،
وسوء التدبير،
وغياب العدالة المجالية.
هنا لا يعود السؤال: هل نفرح أم نحزن؟
بل: كيف نفرح؟ ولماذا؟ وبأي ثمن؟
التجربة الإنسانية تعلّمنا أن المشاعر لا تسير في خط مستقيم.
يمكن أن يولد طفل في العائلة
بينما يحتضر جدّ في غرفة الإنعاش.
نبتسم هنا،
ونبكي هناك،
في اليوم نفسه،
بالقلب نفسه.
لكن ماذا لو مات الجد
لأننا انشغلنا بحفل العقيقة،
وأهملنا علاجه،
وتأخرنا في إسعافه؟
هل يظل الفرح بريئًا؟
أم يصبح شريكًا في الجريمة بالصمت؟
هنا يكمن جوهر المأساة المغربية.
الفرح الرياضي ليس المشكلة.
المشكلة حين يصبح هذا الفرح
واجهة لطمس اختلالات أعمق،
وستارًا يُخفي عجز السياسات العمومية.
حين تُستثمر المليارات في الملاعب،
وتُترك قنوات الصرف مهترئة،
والبنيات التحتية هشّة،
والمدن خارج “خريطة الفرح الوطني”.
مدن لا تعرف الكان،
ولا المونديال،
ولا الكاميرات،
لكنها تعرف الفيضانات،
وتعرف المقابر الجماعية،
وتعرف لغة الصمت.
عندها يصبح الفرح سؤالًا أخلاقيًا.
ليس ممنوعًا،
لكنّه غير مكتمل.
فرحٌ أعرج،
يمشي على قدم واحدة.
أقسى ما في المأساة
أن بين الضحايا
من كان سيفرح لتأهل المغرب.
من كان سيهتف،
ويغني،
ويرفع العلم،
ثم غمره الماء قبل صافرة النهاية.
كيف نخبرهم بالنتيجة؟
هل نهمس لهم في قبورهم
أن المغرب فاز؟
لعل في ذلك بعض العزاء،
أو بعض القسوة الإضافية.
أما أنا،
فقد تابعت المباراة،
وفرحت،
لكن الفرح كان مثقوبًا،
مشوبًا بالحزن،
ومثقلًا بالأسئلة.
ذلك هو الفرح الحزين.
اضطراب وجداني، نعم.
لكنه أيضًا علامة وعي.
وعيٌ بأن الوطن
لا يُقاس فقط بعدد الأهداف،
بل بعدد الأرواح التي نحميها

