حراك الريف…آن أوان طيا لصفحة بعفو ملكي كريم

حراك الريف…آن أوان طيا لصفحة بعفو ملكي كريم
سعيد حفيظي

رحيل أحمد الزفزافي لم يكن مجرد وفاة أب أو فقدان أسرة لعمودها بل كان لحظة إنسانية فارقة حملت في طياتها رسائل سياسية وحقوقية بليغة لقد سمحت السلطات لناصر الزفزافي بمغادرة أسوار السجن لحضور جنازة والده وإلقاء كلمة أمام الملأ وهي لحظة استثنائية امتزج فيها الألم الشخصي بالرسالة الوطنية
كلمة ناصر القصيرة كانت بمثابة بيان جديد لم يكن خطاب شاب غاضب كما عرفه المغاربة سنة 2017 بل خطاب رجل صقلته تجربة السجن والقراءة والتأمل تجاوز حدود الريف الضيقة ليؤكد انتماءه للوطن بأسره نفى تهمة الانفصال وأصر على أن الحراك اجتماعي سلمي هدفه العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وأكد أن الريف جزء لا يتجزأ من المغرب بل ذهب أبعد حين عبر عن استعداده للتضحية من أجل الصحراء المغربية وهو موقف وطني صادق يقطع الطريق على كل التأويلات
بهذا الموقف وجه ناصر رسالة مزدوجة الأولى إلى الدولة بأنه لم يعد خصماً متمرداً بل مواطناً ناضجاً مستعداً لطي صفحة الماضي والثانية إلى المجتمع بأنه لم يكن يوماً مشروعاً انفصالياً بل صوتاً احتجاجياً رفع مطالب اجتماعية عادلة أما الدولة فقد ردت بإشارة سياسية واضحة حين سمحت له بكلمة علنية في جنازة والده وهو ما يؤكد أن حسابات الصدام ليست قدراً وأن المرونة والذكاء السياسي يمكن أن يفتحا أبواب الحل
غير أن السؤال الجوهري اليوم هو هل يكفي هذا التلميح أم أن اللحظة تستدعي قراراً شجاعاً بإغلاق الملف نهائياً عبر عفو ملكي كريم يضع حداً لمعاناة المعتقلين وعائلاتهم ويعيد الثقة بين الدولة والمجتمع
الدستور المغربي لسنة 2011 ينص في الفصل 58 على أن الملك يمارس حق العفو وهو اختصاص سيادي يمكّن من معالجة الملفات التي يتجاوز أثرها حدود القضاء هذا الحق في جوهره أداة سياسية لفتح آفاق المصالحة وإعادة بناء الثقة خصوصاً في قضايا ذات طابع اجتماعي وحقوقي معقد مثل حراك الريف
كما أن المغرب ملتزم دولياً بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يضمن حرية التعبير والتجمع السلمي وقد اعتبر مجلس حقوق الإنسان في جنيف أن اعتقال نشطاء الريف اعتقال تعسفي الأمر الذي يضع الدولة أمام مسؤولية مضاعفة في التوفيق بين سيادة القانون والالتزامات الحقوقية الدولية
من زاوية إنسانية تسع سنوات من الاعتقال كافية وأكثر إنها سنوات من الحرمان والتأزم النفسي والجسدي سنوات فقد فيها المعتقلون زهرة العمر وأرهقت عائلاتهم اجتماعياً واقتصادياً استمرار العقوبة لم يعد يضيف للدولة شيئاً بل أصبح عبئاً رمزياً يثقل صورتها الحقوقية داخلياً وخارجياً
ومن زاوية سياسية أعمق التخوف الذي كان قائماً من أن يتحول ناصر ورفاقه إلى رموز انفصال لم يكن في محله التجربة غيرتهم والنضج صقل شخصياتهم والكلمة التي ألقاها ناصر أكبر دليل على أن خطاب اليوم ليس خطاب الأمس وأن المراجعة ممكنة إذا توفرت الإرادة
أما من الناحية الاستراتيجية فإن المغرب وهو يستعد لاحتضان كأس العالم للأندية والبطولات القارية والدولية لا يمكنه أن يتجاهل أن صورته الحقوقية أصبحت جزءاً من قوته الناعمة ومن تنافسيته الدولية فالتنمية الاقتصادية لا تنفصل عن المناخ الحقوقي والسياسي ولا معنى لافتتاح ملاعب عصرية فيما ملعب حقوق الإنسان ما يزال مغلقاً
إن تجربة الإنصاف والمصالحة التي عاشها المغرب قبل عقدين أثبتت أن الدولة قادرة على مواجهة ملفاتها الحقوقية بروح الاعتراف والطي وإعادة البناء وقد حان الوقت لتوسيع تلك الروح لتشمل ملف الريف ومعتقلي الرأي والمدونين فالمصالحة ليست حدثاً ينتهي بل مسار دائم
إن العفو الملكي اليوم لن يكون تنازلاً من الدولة بل تعبيراً عن قوتها وثقتها في نفسها وسيكون أيضاً وفاء لروح العدالة الانتقالية التي ميزت المغرب عن غيره في المنطقة وهو إعلان عن مرحلة جديدة في علاقة الدولة بالمجتمع مرحلة تقوم على الثقة بدل الريبة وعلى الانفتاح بدل الانغلاق

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *