جيل Z بين الشارع والمؤسسات.. هل آن أوان تفعيل المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي؟

منذ دستور 2011، ظل المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي مؤجلاً في خانة النصوص الدستورية غير المفعلة. ورغم أن الدستور نص عليه كفضاء لإسماع صوت الشباب وإشراكهم في الحياة العامة، فإن مرور أكثر من عقد من الزمن دون تنصيبه يكشف عن مفارقة عميقة بين الطموح الإصلاحي والإرادة الواقعية. واليوم، مع تصاعد موجات احتجاج الشباب من جيل Z، يتأكد أن تفعيل هذه المؤسسة لم يعد خياراً سياسياً مؤجلاً، بل ضرورة وطنية عاجلة.
المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي ليس ترفاً دستورياً، بل هو مؤسسة استشارية صُممت لتعكس طموحات الشباب وتمنحهم الحق في المشاركة الفعلية في صياغة القرار العمومي. إن تعطيله طوال هذه السنوات جعل الشباب في مواجهة واقعٍ يفرض عليهم التعبير في الشارع أو عبر الفضاء الرقمي، بدل أن يجدوا مؤسسة رسمية قادرة على استيعاب أصواتهم وتأطير مبادراتهم.
فلا تنمية مستدامة ممكنة ولا ديمقراطية تشاركية قابلة للتحقق إذا ظل الشباب خارج دوائر القرار، خاصة وأنهم يشكّلون أكثر من ثلث المجتمع المغربي.
جيل Z هو جيل الألفية الجديدة، المولود في زمن الثورة الرقمية والمتصل بالعالم بلا حدود. شباب هذا الجيل أكثر وعياً، وأكثر جرأة على التعبير، وأقل استعداداً لتلقي الخطابات التقليدية. إنهم يقارنون أوضاعهم بأقرانهم في دول أخرى، ويطالبون بتعليم أفضل، بفرص عمل كريمة، وبحياة اجتماعية أكثر عدالة.
وقد أثبتت احتجاجاتهم المتكررة في السنوات الأخيرة أنهم قوة اجتماعية حقيقية، تبحث عن اعتراف سياسي، وعن إطار مؤسساتي يحول غضبها من الشارع إلى اقتراحات عملية وسياسات بديلة.
كل تأخير في إخراج المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي إلى حيز الوجود يزيد من فجوة الثقة بين الشباب والدولة. فحين يغيب الإطار المؤسساتي للحوار، يجد الشباب أنفسهم مضطرين للتعبير بالاحتجاجات أو الوسوم الرقمية، وهي قنوات تترجم الغضب لكنها لا تصنع القرار.
إن المجلس، لو تم تفعيله، لكان فضاءً لتحويل هذا الحراك من مجرد احتجاجات ظرفية إلى مبادرات مؤثرة، ومن خطاب ناقم إلى قوة اقتراحية بناءة.
إخراج هذه المؤسسة إلى الواقع لم يعد ترفاً سياسياً بل ضرورة وطنية تفرضها المرحلة. فالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يواجهها المغرب اليوم تحتاج إلى طاقات الشباب كقوة اقتراح وتنفيذ، لا ككتلة غاضبة على الهامش.
المجلس يمكن أن يشكل برلماناً موازياً للشباب، يُمكّنهم من صياغة أفكارهم وتصوراتهم، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد.
جيل Z اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن يُدمج في المؤسسات ليشارك في صناعة المستقبل، أو أن يظل خارجها في ظل استمرار الاحتجاجات وفقدان الثقة. لقد حان الوقت لتفعيل المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي، ليس فقط وفاءً لنص دستوري عمره أكثر من عقد، ولكن استجابة لصوت الشباب الذي يطالب اليوم، وبإلحاح، بمكانه داخل القرار الوطني.
إن المستقبل لن يُبنى إلا مع الشباب، ولن يكتمل إلا بإشراكهم.