جيل ينتظر الملك: حين تستيقظ السياسة من سباتها الموسمي

تعيش المملكة المغربية، اليوم، لحظة سياسية استثنائية بكل المقاييس.
فالمغاربة على اختلاف مشاربهم ينتظرون الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، لا بوصفه طقسًا بروتوكوليًا مألوفًا، بل كحدث وطني يختبر منسوب الأمل في السياسة، ويقيس نبض العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين القيادة والإرادة الشعبية.
الخطاب الملكي في مثل هذه المناسبات لا يُقرأ من زاوية القرارات المعلنة فحسب، بل من زاوية ما يحمله من إشارات ودلالات سياسية ورمزية.
فالكلمة الملكية هي، في العمق، وثيقة اتجاه سياسي تُعيد ترتيب الأولويات الوطنية وتذكّر النخب بحدود مسؤوليتها، إنها لحظة مراجعة جماعية بقدر ما هي لحظة توجيه ملكي.
لكن ما يميز هذه اللحظة بالذات هو أن جيلاً جديدًا يترقبها بعين مختلفة، جيل “زد” (Z) لم يعد يرى في الخطاب الملكي مجرد موعدٍ رسمي، بل نافذة لفهم الدولة، واستشعار مدى اعترافها بوجوده كقوة اجتماعية ناشئة.
هذا الجيل، الذي يبث الحياة في النقاش العمومي عبر المنصات الرقمية، يمارس اليوم مواطنة رقمية لا تقل شرعية عن المواطنة التقليدية، ويسائل النخب بأسلوبه الخاص، الساخر أحيانًا، والناقد دائمًا.
لقد أعادت حركة جيل زد، من حيث لا تدري ربما، تشكيل خريطة الفعل العمومي في المغرب، إذ لم تعد السياسة حكرًا على مقرات الأحزاب ولا على قاعات البرلمان، بل صارت أيضًا في “الترند” و”الهاشتاغ” و”الفيديو القصير”. ومهما استهزأ البعض بهذا الشكل الجديد من التعبير، فإن أثره بات أقوى من كثير من الخطب الرسمية الجامدة.
وفي مقابل هذا الحراك الشبكي، يبدو جزء من النخب السياسية في سباتٍ عميق، عاجزًا عن التقاط الإشارة الملكية الكبرى: أن السياسة ليست تكرارًا لبلاغات الأمس، بل بناءٌ يومي لثقة جديدة.
الخطاب الملكي، إذن، لا يُنتظر ليُصفّق له، بل ليُترجم على أرض الواقع، في المؤسسات، في الإدارة، وفي وجدان الشباب الباحث عن معنى الدولة.
ولعل أهم ما يُرتقب في خطاب اليوم أن يكون بمثابة خريطة طريق جديدة لترسيخ العدالة الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية، وضمان استدامة مسار النموذج التنموي الجديد.
فالملك، في كل خطاباته، يذكّر بأن التنمية ليست مشروع أرقام ومؤشرات فحسب، بل مشروع قيمٍ ومسؤوليات.
والمجتمع الذي يفقد حسّه الأخلاقي لا يمكنه أن يبني مستقبلًا متوازنًا مهما بلغت خططه التقنية من دقة.
اليوم، المغرب يقف على عتبة مرحلة تتطلب أكثر من مجرد خطط تنموية. إنها مرحلة تتطلب روحًا وطنية متجددة، ونخبًا شجاعة قادرة على المرافعة من أجل المصلحة العامة، لا من أجل المواقع الانتخابية.
لذلك، سيكون للخطاب الملكي صدى خاص في عقول الشباب، لأنه، ببساطة، يمسّ جوهر ما يبحثون عنه: العدالة، الكرامة، والفرص المتكافئة.
إن الترقب الشعبي للخطاب لا يعني انتظار المعجزات، بل انتظار إشارة انطلاق جديدة لزمنٍ سياسي مختلف، زمنٌ يُصغي فيه السياسي إلى الشارع لا ليزايد عليه، بل ليشاركه الهمّ والمسؤولية. فالمغاربة، رغم ما يعانونه من ضغوطٍ اقتصادية واجتماعية، ما زالوا يحتفظون برصيد من الثقة في الدولة، شرط أن تُجدّد هذه الأخيرة طريقتها في الإنصات والتفاعل.
في النهاية، يمكن القول إن الخطاب الملكي اليوم ليس مجرد بداية لدورة تشريعية جديدة، بل لحظة لتجديد العقد المعنوي بين الدولة والمجتمع. إنها فرصة نادرة لإحياء السياسة بمعناها النبيل، حين تكون فعلاً في خدمة المواطن، لا في خدمة الصورة.
فلتكن لحظة اليوم أكثر من مناسبة دستورية، ولتكن عتبةً لبعث الحياة في النقاش العمومي، ولتكن نداءً إلى كل من لا يزال يؤمن بأن هذا الوطن يستحق أفضل ما فينا.
شكراً لحركة جيل زد التي أعادت للسياسة نبضها الإنساني، وللمغاربة حقهم في الحلم بدولةٍ تصغي بصدقٍ إلى أبنائها.