تقييم مؤسسات الحكامة: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس المنافسة
تحتل قضايا الحكامة والشفافية مكانة مركزية في برنامج الإصلاح الوطني، ففي المشهد المغربي الراهن تبرز مؤسستان دستوريتان حاسمتان في هذه المعادلة: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس المنافسة.
الأولى يُنصّ عليها في الدستور وتُعنى بالتشاور حول السياسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
أما الثانية فهي الجهة المختصة بمراقبة التنافس التجاري ومكافحة الاحتكار، ما يجعلها رافعة هامة من رافعات الحكامة الاقتصادية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المكانة المرموقة قانوناً، فإن تقييم أداء كل من هاتين المؤسستين يستلزم الاعتراف بعدد من الإشكاليات التي لا تزال تعوق تحقيق الأهداف المعلنة، ومن ثم اقتراح آليات تعزيز الفاعلية والمسؤولية أمام المواطن.
أولاً: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
1. من حيث الصلاحيات، فإن المجلس يُعطى دوراً استشارياً، إذ يمكن للحكومة أو البرلمان استشارته بخصوص مشاريع القوانين والتوجهات الكبرى.
2. يُصدر المجلس آراءه وتوصياته ودراساته، مثل توصيته بإصلاح قطاع التقاعد أو مواجهة صدمات التضخم.
3. التمثيل داخل المجلس يضم فئات متعددة: نقابات، جمعيات مهنية، شخصيات، مما يمنحه طابعاً تعددياً.
إشكاليات جوهرية في الأداء
رغم تعددية التمثيل، لا يزال هناك خلاف حول مدى قدرة المجلس على التأثير الفعلي في صياغة السياسات، بدلاً من أن يظل جهة استشارية بدون سلطة تنفيذية.
التوصيات المتكررة تبدو أحياناً معلقة دون متابعة حازمة من الدولة أو الحكومة، مما يقلل من التصور بأن المجلس «فاعل» وليس مجرد هيئة شكلية.
ضعف آليات القياس والمتابعة: أي إلى أي مدى تُنفَّذ التوصيات، وما هي النتائج الملموسة على أرض الواقع؟ هذا السؤال ما زال مطروحاً.
علاقة المجلس بالمواطن العادي ليست دائماً واضحة، فالتواصل مع المجتمع المدني والشباب يحتاج إلى مزيد من الانفتاح والمشاركة الفاعلة.
فرص ومجالات لتعزيز الأداء
إعطاء المجلس صلاحيات أكبر في المتابعة أو مراقبة تنفيذ توصياته، وربطها بآليات إلكترونية شفافة للتنفيذ.
دعم آليات المشاركة المجتمعية: فتح فضاءات للحوار مع الشباب والجمعيات، واستثمار دور المجلس كمنبر تشاوري مؤثر.
اعتماد نظام تقييم شامل لأداء المجلس نفسه، يتضمن مؤشرات قابلة للقياس ونشر نتائجها دورياً في تقارير مبسّطة للجمهور.
ثانياً: مجلس المنافسة
1. يُعدّ مجلس المنافسة مؤسسة مستقلة تُعنى بمراقبة وضبط المنافسة التجارية ومنع الاحتكار والتواطؤ الاقتصادي.
2. يشكّل جزءاً من منظومة الحكامة الاقتصادية التي تهدف إلى خلق بيئة اقتصادية أكثر شفافية وتنافسية، ما يعزز من الكفاءة والاستثمار.
إشكاليات في الممارسة
رغم الحاجة العالية لعمله، فإن تدخلات المجلس لا تزال محدودة نسبياً أو غير بارزة في الإعلام والمجتمع، ما يقلل من تأثيره الواضح في المعاملات اليومية للمواطن والمقاولة.
توجد انتقادات حول سرعة وسلاسة المساطر التي يتبعها المجلس عند فتح الشكايات أو التحقيق في ممارسات احتكارية، وهو ما قد يُضعف الثقة في فعاليته.
ضعف التواصل مع المتضررين والمواطنين: كثير من الشكايات لا تصل إلى معرفة واسعة، والتوثيق الإعلامي والتبليغ العام عن نتائج المجلس ليس على القدر الكافي لجعل المؤسسة «مرئية» في وعي الجمهور.
اقتراحات لتعزيز فعالية المجلس
إطلاق حملات توعية شاملة لفائدة المواطنين والمقاولات حول حقوقهم وكيفية الولوج إلى المجلس وإثارة الشكايات.
تحسين المساطر القضائية والإدارية المتعلقة بفتح التحقيقات ومتابعة قرارات المجلس، مع شفافية أكبر في الوقت والنتائج.
نشر بيانات وتقارير دورية تلخّص أهم القضايا التي تعامل معها المجلس، القرارات المتخذة، وأثرها الاقتصادي والاجتماعي، ما يعزز مساءلته ويشرك الجمهور.
خلاصة وتحول مقترَح
إن جائزتي هاتين المؤسستين أن تستثمرا مراكزهما الدستورية والمؤسساتية ليس فقط كهيئات استشارية، بل كرافعتين فاعلتين في مسار الإصلاح. يتطلب ذلك تحويل التوصيات إلى أفعال ملموسة، ورفع مستوى المساءلة والشفافية، ومنح المواطن دوراً فاعلاً في المتابعة.
كما أن تعزيز تواصل هذه المؤسسات مع الشباب والمجتمع المدني، وتبسيط لغة تقاريرها، وربطها بالنتائج الملحوظة في حياة الناس اليومية، من شأنه أن يجعلها أكثر مؤثّرة.
في نهاية المطاف، إذا ما نجحت هذه المؤسسات في فرض نفسها كمحاورين حقيقيين في حكامة الدولة، فإنها ستساهم في «إغلاق الفجوة» بين خطاب الإصلاح وممارسته الفعلية. وفي زمن أصبح فيه المواطن أكثر وعيًا وتطلعاً، فإن هذا الارتقاء المؤسسي ليس خياراً بل ضرورة.

