تقرير غوتيريش: هل آن أوان الاعتراف الأممي بالحقيقة المغربية؟

تقرير غوتيريش: هل آن أوان الاعتراف الأممي بالحقيقة المغربية؟
بقلم الدكتور عبد الإله طلوع باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

يبدو أن قطار التاريخ بدأ يسير أخيراً في الاتجاه الصحيح، تقرير الأمين العام للأمم المتحدة_ أنطونيو غوتيريش، حول الصحراء المغربية، لم يكن مجرّد وثيقة أممية سنوية كما جرت العادة، بل جاء هذه المرة بلهجة سياسية مختلفة، أكثر وضوحاً وجرأة، تعكس إدراك المنظمة الدولية أن الزمن لم يعد يحتمل الدوران في حلقة مفرغة عمرها خمسون عاماً.

هل يعني ذلك أن الأمم المتحدة بصدد الانتقال من منطق “التدبير المؤقت للنزاع” إلى منطق “الحسم الواقعي فيه”؟ وهل يشكل هذا التقرير مؤشراً على أن المجتمع الدولي بدأ يتخلى عن الحياد المائع ليقترب من الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء؟

ما يلفت الانتباه في تقرير غوتيريش الأخير هو توصيفه لما يجري بعبارات غير مسبوقة: لحظة تاريخية، التزام دولي متنامٍ، ضرورة تسريع وتيرة التسوية السياسية. وهي إشارات لا يمكن قراءتها إلا في ضوء التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم اليوم، والتي جعلت من المغرب فاعلاً محورياً في استقرار شمال إفريقيا والساحل الأطلسي.

المبعوث الشخصي، ستافان دي ميستورا، الذي واصل جولاته المكوكية رغم العقبات، يدرك تماماً أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لم تعد مجرد اقتراح من بين اقتراحات أخرى، بل صارت الإطار الواقعي والوحيد الممكن لأي حل دائم. فهل ستملك الأمم المتحدة الشجاعة السياسية لترجمة هذا الواقع إلى موقف مؤسساتي واضح؟

إن المجتمع الدولي، بقدر ما يعبر عن دعمه لحل سياسي متفاوض بشأنه، بدأ يميل بشكل متزايد نحو الاعتراف الضمني بالسيادة المغربية على الصحراء، كما أكد التقرير من خلال استعراضه لمواقف القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي جددت دعمها الصريح لـ”السيادة المغربية على الصحراء”.

لكن السؤال الجوهري يظل مطروحاً: إلى أي حد يمكن تحويل هذا الدعم الدولي إلى قرار أممي حاسم ينهي عبثية الوضع القائم؟ وهل ستظل الأمم المتحدة رهينة حسابات دول معينة لا تريد للمنطقة أن تعرف الاستقرار؟

المفارقة أن تقرير غوتيريش يأتي في لحظة تشهد فيها المنطقة تحولات متسارعة، من إعادة تشكيل التحالفات في الساحل الإفريقي، إلى تنامي التحديات الأمنية المرتبطة بالإرهاب والهجرة والجريمة المنظمة.

كل هذه المتغيرات تجعل من استمرار النزاع حول الصحراء ترفاً جيوسياسياً لم يعد مقبولاً.

لقد أدركت القوى الكبرى، كما يبدو من لهجة التقرير، أن المغرب لا يدافع فقط عن وحدة ترابه الوطني، بل عن منطق الدولة الحديثة القائمة على الاستقرار والتنمية والانفتاح. فمبادرة الحكم الذاتي ليست تنازلاً، بل تعبير عن نضج سياسي واستراتيجي يجعل من الأقاليم الجنوبية نموذجاً في البناء الديمقراطي والاقتصادي ضمن السيادة الوطنية.

من هنا، فإن الرسالة التي يمكن استخلاصها من تقرير غوتيريش هي أن العالم بدأ يتحدث بلغة المغرب، حتى وإن لم يعلن ذلك صراحة بعد. لغة تقوم على الواقعية بدل الأوهام، وعلى التنمية بدل الشعارات، وعلى الحل السياسي بدل النزاع المفتعل.

لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيستثمر المغرب هذا الزخم الدولي الجديد لتقوية حضوره الدبلوماسي في المنابر الأممية؟ وهل ستتجرأ الأمم المتحدة أخيراً على تجاوز منطق “إدارة الأزمة” نحو “حلها العادل والدائم”؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تكمن فقط في ما سيقرره مجلس الأمن في دورته المقبلة، بل في استمرار المغرب على نهج الوضوح والثبات في الدفاع عن قضيته الأولى، وفي مواصلة تحديث نموذجه التنموي في الأقاليم الجنوبية، ليبقى البرهان العملي أقوى من أي خطاب.

فبعد خمسين عاماً من الجدل والمناورات، يبدو أن الحقيقة المغربية بدأت تُكتب بحبر الواقع، لا بلغة البيانات.
والسؤال الأخير الذي يفرض نفسه: هل يستعد العالم لقراءة هذه الحقيقة كما هي، دون تحريف أو تأويل؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *