تفعيل طابع الرسمي للأمازيغية واقع تطبيق و افاقه المستقبلية

تفعيل طابع الرسمي للأمازيغية واقع تطبيق و افاقه المستقبلية

مع مجيء الإسلام إلى شمال أفريقيا، ساهم الأمازيغ في بناء صرح الحضارة الإسلامية والدفاع عنها، وكانت لهم صولات وجولات في حروبهم ضد الصليبيين، ويعتبر بعض المؤرخين أنهم ساهموا في إطالة عمر الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية.
خلال القرن الماضي، ساد نقاش محتدم بين تيارين حول هوية المغرب، إذا كانت عربية أو أمازيغية؛ الأول ينتمي إلى التيارات المحافظة والدينية التي ترى في المغرب دولة عربية مسلمة، وأنَّ الإقرار بحقوق الأمازيغ سيفضي إلى التفرقة بين أبناء الشعب المغربي، فيما يمثل التيار الثاني الحركات الأمازيغية التي ترى أن المغرب دولة أمازيغية، على اعتبار أن الأمازيغ هم السكان الأصليون في البلاد.
وإذا عدنا إلى الدساتير السابقة للمغرب منذ الاستقلال، نجد أنّ ديباجتها تشدد على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد، من دون الاعتراف بالهويات الأخرى المكونة للنسيج المجتمعي المغربي الغني بتنوعه اللغوي والعرقي الضارب في عمق التاريخ.
وبعد وصول الملك محمد السادس إلى سدة الحكم في تموز/يوليو 1999، بدأ الاهتمامُ باللغة الأمازيغية كمكون من مكونات الهوية المغربية. تجلى ذلك في الخطاب الملكي في أجدير في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2001، والذي وضع أسس مغربٍ متعدد الهويات، من خلال الاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للثقافة والهوية المغربية.
وقد استتبع الخطاب الملكي العديد من الإجراءات، إذ تم في العام 2002 تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المعروف اختصاراً بـ”IRCAM”، الذي يعنى بدراسة الثقافة والتاريخ الأمازيغيين في أفق النهوض بهذه اللغة.
وفي العام 2003، تم إقرار تدريس اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية في عموم البلاد، باستعمال حرف تيفيناغ. وفي العام 2010، تم إنشاء القناة الثامنة باللغة الأمازيغية “تامازيغت” التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية.
ومع ذلك، اعتبرت بعض الحركات الأمازيغية أنّ ذلك يبقى غير كافٍ، إذ كانت تشدد في كل محطة نضالية على ضرورة الاعتراف باللغة الأمازيغية دستورياً كلغة وطنية إلى جانب نظيرتها العربية، في إطار مغرب متعدد الثقافات والهويات.
جاء دستور 2011 ليحدث قطيعة نهائية مع كل الدساتير السابقة حول هوية المغرب، إذ تنص ديباجة الدستور الجديد على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية الموحدة، وانصهار مكوناتها العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

كما أنَّ الفصل الخامس من الدستور المغربي، وإن أبقى على العربية لغة رسمية للدولة، إلا أنه نص على “أن تعد الأمازيغية أيضاً لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة من دون استثناء، على أن يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها بصفتها لغة رسمية.”
تعتبر الشعوب الأمازيغية من الشعوب الأصيلة في شمال أفريقيا، ويتشكَّل وجودها من بحيرة سيوة غرب مصر إلى صحراء مالي والنيجر. وقد كانت لهم دول قبل الميلاد، مثل مملكة نوميديا وموريطانيا الطنجية وموريطانيا القيصرية، ومن أبرز الملوك الأمازيغ يوبا وماسينيسا ويوغرطة، الذين عرفوا بمقاومتهم الغزوات الرومانية.
ومع مجيء الإسلام إلى شمال أفريقيا، ساهم الأمازيغ في بناء صرح الحضارة الإسلامية والدفاع عنها، وكانت لهم صولات وجولات في حروبهم ضد الصليبيين، ويعتبر بعض المؤرخين أنهم ساهموا في إطالة عمر الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية، بدءاً من طارق بن زياد وخليفة المسلمين المرابطي يوسف بن تاشفين – باني مدينة مراكش (أموراكش – أرض الله) سنة 454هـ، الذي أوقع بالإسبان هزيمة في معركة الزلاقة، إلى أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي، بطل حرب معركة الأرك ضد الإسبان، من دون إغفال النهضة العلمية والثقافية التي قامت به الدولة المرينية.
تتشكل البنية العرقية الأمازيغية في المغرب من 3 قبائل، زناتة ومصمودة وصنهاجة. تستقر الأولى في منطقة شمال المغرب، وهي الريف، فيما تستقر الثانية في الأطلس المتوسط والكبير ونواحي الجنوب الشرقي. أما الثالثة، فموطنها الصحراء، ويعود أصلها إلى قبيلة لمتونة المرابطية، مع وجود فرع لها في منطقة الريف، وتحديداً في إقليم تاركيست الخاضع ترابياً لمدينة الحسيمة.
كان للأمازيغ دور مشهود في حرب التحرير ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني في المغرب، من خلال موحا اوحمو الزياني في الأطلس، وعسو أوبا سلام ومبارك ولد كيتو (مهدي تافيلالت) في الجنوب الشرقي، وعبد الله زاكور والفقيه سي الحسين البوشراوي والشيخ إبراهيم بن سي أحمد المزالي في منطقة سوس، والشريف محمد أمزيان القلعي ومولاي امحند بن عبد الكريم الخطابي في الريف، من دون إغفال انتفاضة قبائل آيت باعمران في الصحراء.
ورغم الإجراءات التي قامت بها حكومة العدالة والتنمية في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فإنَّ ذلك يبقى غير كافٍ من وجهة نظر الحركات الأمازيغية التي تطالب بتطبيق كلّ المقتضيات القانونية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية .

وقد وعدت حكومة عزيز أخنوش بإنهاء استكمال الطابع الرسمي للأمازيغية، إذ صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس بأن الحكومة خصصت 100 مليون دولار لهذا الغرض.
وما زالت بعض المشاكل تعوق تفعيل الأمازيغية، منها قضية حرف تيفيناغ الذي ما زال التلاميذ المغاربة يجدون صعوبة في قراءته، إذ تقترح بعض الأصوات تحويلها إلى الحرف اللاتيني، في حين ترفض التيارات الأمازيغية هذا الطرح، وتصر على إبقاء حرف تيفيناغ، إضافة إلى إدماجها في الإدارات العمومية والوثائق الرسمية، فضلاً عن مطالبتهم بأن يكون رأس السنة الأمازيغية – أض ناير أو أسكاس أماينو – الذي يصادف 11 كانون الثاني/يناير عيداً وطنياً.
ختاماً، إنّ تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يقتضي تجاوز العقبات التي تحول دون تطبيقه تطبيقاً سليماً، فهل سيسهم ذلك في إنهاء المشاكل المرتبطة به ؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *