تراجع إنتاج الزيتون في المغرب: أزمة قطاع أم فرصة لإعادة الهيكلة؟

تراجع إنتاج الزيتون في المغرب: أزمة قطاع أم فرصة لإعادة الهيكلة؟
بقلم: أزلو محمد

في ظل التحولات المناخية والاقتصادية التي يشهدها العالم، يبرز قطاع الزراعة كواحد من القطاعات الأكثر تأثراً بهذه التغيرات، ولا سيما قطاع إنتاج الزيتون في المغرب. هذا القطاع الذي طالما كان رمزاً للوفرة والجودة، أصبح اليوم يواجه تحديات مصيرية تهدد استقراره واستدامته، مما دفع النائب البرلماني السيد محمد حماني إلى توجيه سؤال شفوي إلى وزير الفلاحة، مسلطاً الضوء على أزمة تراجع إنتاج الزيتون والارتفاع الحاد في أسعاره.

المغرب، الذي يحتل مكانة مرموقة في خارطة إنتاج الزيتون عالمياً، يعد أحد أعمدة هذه الزراعة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وفقاً للإحصائيات الأخيرة، يحتل المرتبة الثانية عربياً بعد تونس، والتاسعة عالمياً، مع إنتاج تجاوز 217 مليون لتر من زيت الزيتون في عام 2022. هذه الأرقام تعكس حجم القطاع ودوره في دعم الاقتصاد الوطني، حيث يشكل الزيتون مصدر دخل رئيسي لآلاف الأسر المغربية، بالإضافة إلى مساهمته في تعزيز الصادرات الزراعية.

رغم هذا التاريخ العريق، شهد الموسم الحالي أزمة غير مسبوقة. أسعار الزيتون قفزت إلى 25 درهماً للكيلوغرام، بينما تجاوز سعر زيت الزيتون حاجز 120 درهماً للتر ووصل في بعض المناطق إلى 150 درهماً. هذه الأرقام صادمة مقارنة بالمواسم السابقة، مما أثار تساؤلات عميقة عن الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.

النائب البرلماني السيد محمد حماني عبّر في سؤاله عن قلقه من هذه التحديات، مشيراً إلى أن القطاع، رغم أهميته الاستراتيجية، يعاني من مشكلات بنيوية تعيق استقراره. فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؟ وهل هناك رؤية واضحة لإعادة الأمور إلى نصابها؟

لا يمكن فهم أزمة الزيتون في المغرب بمعزل عن مجموعة من العوامل المتشابكة، التي تتراوح بين الطبيعي والاقتصادي:

1. التغيرات المناخية والجفاف:
المغرب، كغيره من دول المنطقة، يعاني من تغيرات مناخية حادة أثرت بشكل مباشر على المحاصيل الزراعية. تراجع كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة أدى إلى انخفاض إنتاجية أشجار الزيتون، التي تحتاج إلى ظروف مناخية محددة لتحقيق إنتاج مستدام.

2. قلة الموارد المائية:
مع تناقص الموارد المائية، أصبح الري التقليدي غير كافٍ لتلبية احتياجات مزارع الزيتون. غياب تقنيات الري الحديثة في العديد من المناطق أدى إلى تدهور جودة المحاصيل وانخفاض الكميات المنتجة.

3. التكاليف المرتفعة للإنتاج:
ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، مثل الأسمدة والمبيدات، زاد من الضغوط على المزارعين، مما دفع البعض إلى تقليص مساحات الزراعة أو التخلي عنها كلياً.

4.سوء التخزين والتوزيع:
رغم إنتاج كميات كبيرة من الزيتون والزيت في السنوات السابقة، يعاني القطاع من مشكلات في التخزين والتوزيع، مما يؤدي إلى تفاوت كبير في الأسعار بين المناطق.

5. غياب الدعم الكافي:
يرى العديد من المزارعين أن الدعم الحكومي المخصص للقطاع لا يرقى إلى مستوى التحديات، سواء من حيث توفير الموارد أو تقديم التكوين اللازم لاعتماد تقنيات زراعية حديثة.

إزاء هذه التحديات، يبرز السؤال: ما الذي يمكن فعله لضمان استقرار قطاع الزيتون في المغرب؟ الإجابة تتطلب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية.

1. اعتماد تقنيات زراعية مبتكرة:
يجب على الدولة أن تشجع المزارعين على استخدام تقنيات الري بالتنقيط والزراعة الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا لتحسين الإنتاجية وتقليل استهلاك المياه.

2. تعزيز البحث العلمي:
الاستثمار في البحث العلمي لتطوير أصناف زيتون مقاومة للجفاف وقادرة على التكيف مع التغيرات المناخية سيشكل خطوة حاسمة نحو استدامة القطاع.

3. إنشاء صناديق دعم للمزارعين:
تقديم دعم مالي مباشر للمزارعين المتضررين من الأزمات المناخية أو الاقتصادية، بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية تمكنهم من تحسين مهاراتهم وإنتاجيتهم.

4. تحسين البنية التحتية للتخزين والتوزيع:
إنشاء مستودعات حديثة لتخزين الزيتون والزيت سيسهم في تقليل الخسائر وضمان استقرار الأسعار.

5. تشجيع التعاونيات الزراعية:
تعزيز دور التعاونيات في تنظيم القطاع وضمان توزيع عادل للأرباح بين جميع الفاعلين، من المزارعين إلى المستهلكين.

6. زيادة التصنيع المحلي:
الاستثمار في تصنيع المنتجات المشتقة من الزيتون، مثل الصابون ومستحضرات التجميل، سيساهم في خلق قيمة مضافة للقطاع وزيادة فرص العمل.

رغم التحديات الجسيمة التي يواجهها قطاع الزيتون في المغرب، لا تزال هناك فرص كبيرة للنهوض به. هذا القطاع، الذي يشكل جزءاً من هوية المغرب الزراعية، يمكن أن يتحول إلى نموذج ناجح للتنمية المستدامة إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية.

يبقى الأمل معقوداً على جهود جميع الفاعلين، من المزارعين إلى المسؤولين، لإعادة الاعتبار لهذه الزراعة العريقة وضمان استدامتها للأجيال القادمة. فكما أن شجرة الزيتون ترمز إلى الصمود والسلام، فإنها أيضاً تحمل في جذورها دروساً عميقة عن الأمل والعمل الدؤوب.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *