تحولات الديمقراطية في العصر الرقمي… ماستر الحكامة الأمنية والهندسة السيبرانية يفتح نقاشاً فكرياً مع الدكتور أمين السعيد

تحولات الديمقراطية في العصر الرقمي… ماستر الحكامة الأمنية والهندسة السيبرانية يفتح نقاشاً فكرياً مع الدكتور أمين السعيد
بقلم: طلوع عبدالإله

احتضن مدرج ابن خلدون بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات، يوم الجمعة 2 ماي 2025، ندوة فكرية متميزة دشّن بها ماستر الحكامة الأمنية والهندسة السيبرانية سلسلة “ضيف على الماستر”، كآلية للحوار العلمي المفتوح حول الإشكالات المتقاطعة بين السلطة، الرقمنة، والمجتمع. وقد خُصصت هذه الحلقة الأولى لموضوع بالغ الأهمية والراهنية: “الديمقراطية في زمن الذكاء الاصطناعي والهندسة السيبرانية”، بحضور الدكتور أمين السعيد، أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، أحد الأسماء البارزة في حقل القانون الدستوري والعلوم السياسية.

خالد الطيبي: رؤية نقدية للديمقراطية من منظور حضاري واقتصادي

في مداخلته الافتتاحية، قدّم الأستاذ خالد الطيبي، منسق الماستر، رؤية نقدية جريئة لمفهوم الديمقراطية، اعتبر فيها أن الديمقراطية كما تُمارس وتُسوّق اليوم ليست سوى نتاج لمسار غربي، خصوصاً أمريكي، تم تصديره إلى دول الجنوب دون مساءلة عميقة لجدواه أو توافقه مع الخصوصيات الحضارية والتاريخية لهذه الشعوب، وفي مقدمتها المجتمعات الإسلامية.

وحذّر الطيبي من الطابع الدغمائي للنموذج الديمقراطي الغربي، الذي يُقدَّم كصيغة أوحد دون بدائل، في سياق ما أسماه بـ”بالونات الاختبار” التي يُمارس بها الانتقال الديمقراطي في دول الجنوب، غالبًا دون فهم بنيوي أو فلسفي لسياق النشأة. وأضاف أن الأزمة التي تواجه الديمقراطيات المعاصرة ليست فقط في التطبيق، بل في المنهج ذاته، مستشهداً بأزمات اقتصادية عالمية كبرى وتضخم غير منضبط للقروض العمومية.

ومن زاوية حضارية، أبرز أن التكنولوجيا والرقمنة لم تعدا مجرد أدوات، بل تحوّلتا إلى آليات للهيمنة الثقافية في إطار مشروع أكبر نحو “حكومة عالمية” قد تُهدد الخصوصيات المحلية والهوية التاريخية للمدن والمجتمعات، مستحضراً مدينتي مكناس والرباط كنموذجين لتراث مهدد أمام موجات التشريع الموحد والعولمة الرقمية.

أما في ما يخص الذكاء الاصطناعي، فقد نبه الطيبي إلى مخاطره البنيوية، مشدداً على أنه قد يتحول من وسيلة لخدمة الإنسان إلى أداة لتحييد ذكائه وإنتاجه، مما ينذر بمرحلة “نهاية الإنسان المنتج”، لا بالمعنى الفوكويامي لنهاية التاريخ، ولكن كاختناق لقدرة البشر على الإبداع والاستقلال المعرفي.

وختم بالتأكيد على ضرورة إعادة قراءة النظريات السياسية والاقتصادية من منطلقات حضارية ومحلية، كخطوة أساسية نحو تحرر مفاهيمي وأخلاقي من الهيمنة الغربية النمطية.

بدر الذهبي: من الخوارزميات إلى القرار السياسي… من يحكم من؟

بدوره، أضاء الأستاذ بدر الذهبي، أحد مؤسسي الماستر، أبعادًا مقلقة للتحول الرقمي، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل بات يعيد تشكيل المنظومات السياسية والمعرفية. وأبرز أن الخوارزميات اليوم تتحول إلى سلطة غير مرئية، قادرة على صناعة الرأي العام وتوجيه السلوك الانتخابي، مما يُربك تقاليد السيادة الشعبية ويطرح أسئلة محرجة حول من يحكم فعلياً.

الذهبي اعتبر أن الديمقراطية أصبحت تتعرض لتدخلات دقيقة وغير محسوسة، تُمارَس عبر واجهات برمجية ومنصات رقمية، تضعف من جودة القرار العمومي وتعيد صياغة هرم القيم في المجتمعات. ودعا إلى بلورة فكر نقدي رقمي، يوفق بين مقتضيات الحماية السيبرانية من جهة، وضمان الحريات والحقوق من جهة ثانية.

الدكتور أمين السعيد: من الانحدار الديمقراطي إلى “ما بعد الديمقراطية”

في مداخلته المركزية، تناول الدكتور أمين السعيد موضوع الديمقراطية من زاوية تحليلية دقيقة، وطرح مفاهيم مفصلية مثل “الانحدار الديمقراطي” و”ما بعد الديمقراطية”، مشدداً على أن الأزمة لم تعد فقط في السلطوية التقليدية أو التضييق الحقوقي، بل في تغلغل الذكاء الاصطناعي في صلب العملية الديمقراطية ذاتها، بدءًا من الاستباق الانتخابي إلى إعادة إنتاج الخطاب العمومي.

السعيد اعتبر أن الديمقراطية الليبرالية تمر اليوم بلحظة مفصلية، حيث تتراجع القيم الديمقراطية أمام صعود الرقابة الرقمية، وتحوُّل المنصات الاجتماعية إلى فضاءات تصفية فكرية لا إلى فضاءات نقاش حر. وتطرق إلى حالات دولية أصبحت فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي تُستخدم كوسائل للتصنيف والمراقبة، بما يُغيّر طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن، ويُدخل السياسة في مرحلة “ما بعد السياسة”، حيث تُهيمن الخوارزميات على التمثيل والمعنى.

وفي مقاربته للانتخابات، أشار إلى الازدواجية الكامنة في الأدوات الرقمية، التي قد تسهم من جهة في الشفافية والانخراط، لكنها من جهة أخرى تُهدد جوهر الاختيار الحر وصدقية التنافس السياسي، داعياً إلى ضرورة تقنين أخلاقي صارم يضمن حماية المواطن من الاستعمالات الجائرة للتكنولوجيا.

وختم السعيد مداخلته بالدعوة إلى تحديث السياسات العمومية بمنطق سيبراني، وإعادة بناء النخب السياسية على أساس القدرة على التفكير في المفاهيم المعقدة للسلطة والمعرفة في العصر الرقمي.

الجامعة في قلب التحول: التفكير النقدي بوابة المستقبل

عرفت الجلسة الختامية نقاشًا تفاعليًا حيويًا، شارك فيه عدد من الأساتذة والطلبة، وتنوعت المداخلات بين البعد الفلسفي والقانوني والسياسي، ما أضفى على اللقاء طابعًا أكاديميًا عميقًا وحيويًا في آن. وقد أجمع الحاضرون على أهمية هذه المبادرة التي تُعيد للجامعة دورها الطبيعي كمنصة لإنتاج المعرفة النقدية، وتُكرّس التكوين العالي كرافعة لفهم رهانات الزمن الرقمي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *