النزاع حول الصحراء المغربية: بين الحقيقة التاريخية وأوهام الخصوم

مقدمة
تُعد قضية الصحراء المغربية من أكثر الملفات السياسية التي استُخدمت فيها الدعاية الموجهة لتشويه الحقائق التاريخية والقانونية. فمنذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية سنة 1975، برزت محاولات مستمرة من خصومه الإقليميين، خاصة الجزائر وليبيا في السبعينيات، لإضفاء طابع “النزاع الدولي” على قضية هي في جوهرها مسألة استكمال للوحدة الترابية. المقال المنشور مؤخرًا في صحيفة The Guardian تحت عنوان “Sahrawis reject Moroccan rule over Western Sahara” ليس سوى مثال جديد على استغلال المنابر الإعلامية الغربية لترويج سرديات متجاوزة، بعيدة عن المعطيات الميدانية، ومتجاهلة للتاريخ والشرعية الدولية.
أولًا: الهوية الوطنية الصحراوية ضمن الانتماء المغربي
الصحراويون ليسوا “كيانًا منفصلًا” كما يروّج خصوم الوحدة الترابية، بل هم جزء أصيل من النسيج المغربي منذ قرون.
• قبائل الصحراء، مثل الرقيبات، أيت لحسن، أولاد دليم وغيرها، كانت دائمًا مرتبطة بالعرش المغربي عبر البيعة، وهي رابطة سياسية ودينية وقانونية موثقة في سجلات المخزن المغربي ومراسلات السلاطين.
• جميع الصحراويين اليوم يتمتعون بالجنسية المغربية الكاملة، ويشاركون في الحياة السياسية، والتمثيل البرلماني، وفي المؤسسات المنتخبة، بما في ذلك مجالس الجهات الجنوبية الثلاث.
ثانيًا: النزاع المفتعل ودور الجزائر وليبيا
لم يكن نزاع الصحراء وليد رفض داخلي أو حركة انفصالية شعبية، بل هو صناعة إقليمية بامتياز:
• الجزائر، بعد فشل مشروعها في بسط الهيمنة الإقليمية، وجدت في دعم جبهة البوليساريو أداة لإضعاف المغرب وإلهائه عن التنمية.
• ليبيا القذافي، في سياق صراعات الحرب الباردة، وظّفت خطاب “الثورة” لتغذية النزعة الانفصالية وتمويل الجبهة بالسلاح والمال.
• وثائق المخابرات الغربية التي رُفعت عنها السرية لاحقًا، ومنها تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في السبعينيات، تشير بوضوح إلى أن النزاع كان أداة جيوسياسية أكثر منه قضية تقرير مصير.
ثالثًا: الاستفتاء خيار مرفوض لسيادة غير قابلة للتفاوض
المغرب، بحكم التاريخ والسيادة الفعلية، لا يمكن أن يقبل إجراء استفتاء على أرضه:
• الوثائق التاريخية، مثل الظهائر السلطانية، وخرائط القوى الاستعمارية (إسبانيا، فرنسا)، تُثبت أن الصحراء كانت جزءًا من التراب المغربي قبل الاحتلال الإسباني سنة 1884.
• قبول المغرب بالاستفتاء يعني ضمنيًا التشكيك في سيادته على أرضه، وهو ما يتناقض مع مبدأ وحدة الدولة المنصوص عليه في القانون الدولي.
• حتى الأمم المتحدة، بعد عقود من الجمود، أصبحت تعتبر الحل السياسي التوافقي – لا الاستفتاء – هو المخرج الواقعي للنزاع.
رابعًا: الاعتراف الضمني للمستعمر السابق بمغربية الصحراء
الدول التي فرضت حمايتها أو احتلالها على الأقاليم الجنوبية، خاصة إسبانيا وفرنسا، أقرت بشكل مباشر أو ضمني بمغربية هذه الأراضي:
• فرنسا، في اتفاقياتها مع المغرب (1912–1934)، لم تعترف بسيادة مستقلة للصحراء، بل تعاملت معها كجزء من المجال المغربي.
• إسبانيا، عند دخولها الصحراء، كانت تدرك أنها أرض تابعة للسلطان المغربي، لكنها استغلت ضعف الدولة المغربية في أواخر القرن التاسع عشر لتفرض سيطرتها.
• اتفاقية مدريد (1975) بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا، كانت إقرارًا نهائيًا بانسحاب إسبانيا وتسليم الإدارة للمغرب.
خامسًا: قراءة في خلفيات مقال The Guardian
المقال الذي نشرته الصحيفة يتجاهل هذه الحقائق، ويتبنى سردية أحادية منحازة لجبهة البوليساريو.
• من الناحية الأكاديمية، غياب الإشارة إلى روابط البيعة، أو الوثائق الاستعمارية، أو الدينامية الاجتماعية والسياسية في الأقاليم الجنوبية، يجعل المقال غير متوازن علميًا.
• يمكن التساؤل عن خلفيات نشر هذه الرسائل في سياقات زمنية محددة، إذ غالبًا ما تأتي متزامنة مع جولات تفاوض أو أحداث دولية مرتبطة بالقضية.
• هذه الممارسات الإعلامية تطرح علامات استفهام حول تمويل أو تأثير جماعات ضغط معادية للوحدة الترابية المغربية.
خاتمة
قضية الصحراء المغربية ليست صراعًا حول “تقرير مصير” كما يروّج البعض، بل هي استمرار لمعركة الشعب المغربي في استكمال وحدته الترابية. التاريخ، والوثائق القانونية، والواقع الميداني، تؤكد أن الصحراء كانت وستظل جزءًا لا يتجزأ من المغرب. أما المقالات التي تتبنى سرديات أحادية متجاهلة للحقائق، فهي إما نتاج جهل بالتاريخ، أو تأثير لأجندات سياسية معروفة، لا تغير في حقيقة أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها
الدكتور المصطفى قاسمي
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية.
رئيس مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية.
جامعة الحسن الأول.