النخبة المغربية وسؤال الشرعية: من الزعامة إلى التمثيل الرمزي

النخبة المغربية وسؤال الشرعية: من الزعامة إلى التمثيل الرمزي
بقلم: د. عبد الإله طلوع – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

لطالما شكّلت النخبة السياسية في المغرب، كما في معظم الدول، محورًا أساسيًا لفهم طبيعة الديناميات السياسية والاجتماعية، وللوقوف على طبيعة الشرعية التي تستند إليها. النخبة ليست مجرد طبقة من الأفراد ذوي النفوذ، بل هي تلك المجموعة التي تتحمل مسؤولية التوجيه السياسي، وصياغة الخيارات الكبرى، وضمان استمرارية الدولة. لكن في زمن تشهد فيه الثقة في المؤسسات تقلّبًا، وتراجع المشاركة السياسية، وارتفاع خطاب الاحتجاج، ماذا تعني الشرعية للنخبة اليوم؟ هل الشرعية قائمة على السلطة فقط، أم أن التمثيل والتواصل الفعلي مع المجتمع هما الأساس؟

وفقًا لفكر عبد الله العروي، تعاني النخبة في المجتمعات العربية من ازدواجية الهوية بين تراث السلطوية الذي يكرّس سلطة الزعامة، ومتطلبات الحداثة التي تستدعي تمثيلًا حقيقيًا وتشاركية شعبية. فهل استطاعت النخبة المغربية أن تتحول من زعامة تقليدية إلى وسيط مجتمعي يعبر عن مصالح الشعب، أم أنها بقيت أداة لإدارة الصراعات وتقاسم المكاسب السياسية؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الزعامة التقليدية التي تعتمد على السلطة، والديمقراطية التي تقتضي مشاركة وتداولًا حقيقيين للسلطة؟

يرى محمد الطوزي أن الشرعية التي تستند إليها النخبة المغربية غالبًا ما تكون تقليدية أو شكلية دستورية، وليست مبنية على توافق مجتمعي عميق. هذه الشرعية الشكلية تضعف من ثقة الشعب، خاصة عندما تفقد النخبة اتصالها بالقواعد الشعبية وتتجاهل مطالب التغيير والإصلاح. فكيف تستعيد النخبة شرعيتها وسط مجتمع يدفع نحو المزيد من الوعي والمشاركة السياسية؟ وهل هي مستعدة لتقبل النقد وإعادة صياغة علاقتها مع المجتمع؟

في هذا الإطار، يقدم ماكس فيبر تصنيفًا مهمًا للشرعية إلى ثلاثة أنواع: الشرعية التقليدية القائمة على العادات، والكاريزمية القائمة على شخصية الزعيم، والعقلانية القانونية القائمة على القوانين والمؤسسات، في المغرب، لا تزال الشرعية التقليدية مركزية، لكنها لم تعد كافية في ظل مجتمع يشهد تحولات عميقة.
فهل يمكن للنخبة المغربية الانتقال إلى شرعية عقلانية قانونية تعزز الشفافية والمسائلة؟ وما هي العقبات التي تعترض هذا الانتقال؟

من جهة أخرى، يقدم محمد عابد الجابري تحليلاً نقديًا للسلطة والنخبة من خلال منظور العقلانية النقدية، يشرح الجابري كيف أن النخبة التي تهيمن على المشهد السياسي تمارس “الهيمنة الرمزية” عبر احتكارها للمعرفة والسلطة، مما يبعدها عن التجربة الحقيقية للمجتمع ويعزز الانفصال بين الحاكم والمحكوم. هل تستطيع النخبة المغربية كسر هذا الاحتكار الثقافي والسياسي؟ وهل تملك الجرأة على الانفتاح على مشاركة أوسع للمجتمع المدني والطبقات الشعبية في صناعة القرار؟

أما حنة أرندت، فقد ربطت شرعية النخبة بقدرتها على التمثيل الرمزي للمجتمع، بحيث لا تقتصر على الحكم الفعلي فقط، بل تشمل توفير خطاب يعبر عن هوية الجماعة وتطلعاتها، وعندما تفشل النخبة في هذا التمثيل، تتحول إلى زعامة شكلية تفتقر إلى التأييد الحقيقي، مما يفتح الباب للفراغ السياسي والاحتجاجات الشعبية.

فهل تستطيع النخبة المغربية صياغة خطاب سياسي جامع يعبر عن الهوية الوطنية ويستجيب لتطلعات مختلف الفئات الاجتماعية؟ وهل هي مستعدة للانخراط في مشروع سياسي جديد يرتكز على الشفافية والمساءلة؟

في النهاية، تطرح هذه القضايا أسئلة حاسمة: هل سيشهد المغرب ولادة نخبة جديدة قادرة على استعادة ثقة الشعب؟ وهل ستنجح هذه النخبة في بناء نموذج سياسي حديث يتسم بالشمولية، ويوازن بين السلطة والمساءلة، وبين التقاليد ومتطلبات الحداثة؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يساهم في دفع هذا التحول الضروري نحو تمثيل أكثر واقعية وشرعية أعمق؟

هذه الأسئلة تظل مفتوحة، لكنها تشكل محور النقاش السياسي الراهن، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تزيد من إلحاح بناء شرعية جديدة تستجيب لتطلعات المواطنين، وترسي قواعد حكم رشيد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *