المشهد الحزبي والشباب… أسئلة التمثيل وإمكانات إعادة البناء
بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع
باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب
لا يمكن فهم التحولات العميقة التي يعيشها المجتمع المغربي اليوم دون الوقوف عند طبيعة العلاقة المتوترة بين فئة الشباب والأحزاب السياسية.
فبينما كان يُفترض في هذه الأخيرة أن تكون المدرسة الأولى للمشاركة المواطِنة، تحوّلت في نظر جزء كبير من الشباب إلى مؤسسات مغلقة، تشتغل بمنطق تقليدي لا يُراعي تَغَيُّر القيم والأولويات.
وهكذا توَلَّد شعور واسع بأن السياسة، كما يمارسها الفاعلون الحزبيون، لا تُعبّر عن انتظارات الجيل الجديد، ولا تتفاعل مع التحديات التي تواجهه.
وتتجلى أزمة التمثيل في تصاعد القطيعة، سواء من خلال انخفاض نسب الانخراط داخل الأحزاب، أو من خلال ضعف المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن الشباب لم ينسحب من السياسة، بل غيّر فقط قنوات المشاركة. فقد انتقل من الانخراط الكلاسيكي إلى التعبير الرقمي، ومن المقرات إلى الفضاء الافتراضي، ومن عضوية التنظيم إلى حملات التأثير المتفرقة التي تُصنع على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التحوّل لا يعكس عزوفًا، بقدر ما يعكس الحاجة إلى فضاءات أكثر حرية وفعالية.
إن المشهد السياسي المغربي يعاني، فوق هذا كله، من مشكلة بنيوية متمثلة في ضعف تجديد النخب. فالأحزاب، بدل أن تشكل مصنعًا للقيادات الجديدة، أصبحت في كثير من الأحيان تُعيد إنتاج الوجوه نفسها، مما يُضعف الدينامية الداخلية ويجعل التنظيمات غير جاذبة للشباب.
كما أن الخطاب الحزبي لم يستطع اللحاق بالإيقاع القيمي الجديد، حيث يبحث الشباب عن خطاب مباشر، صريح، ومرتبط بواقعه الاجتماعي والاقتصادي، لا خطاب شعاراتي يعيد إنتاج الكلمات نفسها منذ عقود.
وإذا كان الشباب اليوم يعيش تحت ضغوط البطالة، التحولات الرقمية، وتغير أنماط العيش، فإن ذلك يفرض على الأحزاب مسؤولية إضافية في قراءة هذه المتغيرات واستيعابها. فمهمتها لا تتمثل فقط في تنشيط التنظيم الداخلي، بل في فهم المجتمع وإعادة بناء الوساطة بين الدولة والمواطن.
إن أي إصلاح سياسي لا يبدأ من قراءة الواقع الاجتماعي هو إصلاح أقرب إلى الترميم منه إلى البناء الحقيقي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن إمكانيات إعادة بناء العلاقة بين الشباب والأحزاب لا تزال ممكنة. أول هذه الإمكانيات هو دمقرطة الحياة الداخلية، من خلال فتح آفاق حقيقية للشباب كي يشاركوا في اتخاذ القرار، وأن يُعاملوا كشركاء فكريين وليس فقط كأرقام انتخابية، ثانيها تطوير خطاب سياسي جديد يتجاوز اللغة الخشبية ويعتمد على الشرح والتحليل وتقديم الحلول الواقعية. ثالثها إعادة الاعتبار للفضاء العمومي المحلي، عبر تنظيم نقاشات، لقاءات، وورشات تُعيد إحياء العلاقة المباشرة بين السياسي والمواطن.
ومن جانب آخر، يحتاج الشباب بدوره إلى تطوير وعي سياسي نقدي، حتى لا تتحول الحرية الرقمية إلى فوضى أو انفعال ظرفي. فالمشاركة السياسية ليست رد فعل لحظة، بل هي بناء فكري وأخلاقي يحتاج إلى تراكم وتجربة.
لذلك يصبح دور الجامعة والمدرسة أكبر من أي وقت مضى، فهما فضاءان أساسيان لبناء ثقافة سياسية مسؤولة، قادرة على تكوين جيل يفهم السياسة قبل أن يمارسها.
إن مستقبل الحقل الحزبي المغربي لن يُكتب دون مشاركة فعلية للشباب، ولا يمكن لهذه المشاركة أن تتحقق دون إصلاح عميق يعيد الثقة في العمل الحزبي. فالديمقراطية ليست واجهة مؤسساتية، بل سيرورة اجتماعية تُبنى من القاعدة إلى القمة، وتحتاج إلى طاقات جديدة تحمل مشروع الدولة الحديثة، وإعادة بناء الوساطة السياسية ليست خيارًا ترفيًّا، بل شرطًا لضمان الاستقرار وتماسك المجتمع.
إن اللحظة الراهنة تحمل فرصًا كبيرة إذا ما توفرت الإرادة، فالشباب مستعد للمشاركة حين يجد من يستمع إليه، والأحزاب قادرة على التجدد حين تضع مستقبل الدولة فوق الحسابات الضيقة.
وبين هذين الطرفين يمكن كتابة صفحة جديدة من السياسة المغربية، صفحة يكون فيها صوت الشباب جزءًا من القرار، لا مجرد صدى بعيد لا يسمعه أحد.

