الماستر بين العبث الأكاديمي وسوق الشغل المفقود

الماستر بين العبث الأكاديمي وسوق الشغل المفقود

بقلم الدكتور : طلوع عبدالإله باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

في السنوات الأخيرة، أصبح الماستر في بعض الجامعات المغربية يعكس واقعًا مؤلمًا بعيدًا عن رسالته الأصلية في تكوين باحثين مؤهلين وإعداد كفاءات لسوق الشغل. الماستر الذي يفترض أن يكون فضاء للبحث العلمي والتفكير النقدي، تحوّل عند البعض إلى شهادة بلا مضمون، أو مجرد وسيلة لتكديس الشهادات الورقية دون أي قيمة حقيقية، هذا الانحدار لم يحدث صدفة، بل هو نتيجة تراكم أخطاء هيكلية وأزمات تنظيمية، بدءًا من ضعف الانتقاء الصارم للطلبة، الذي يسمح للعديد منهم بالالتحاق بالماستر دون أي قاعدة علمية صلبة، وصولًا إلى غياب متابعة دقيقة من أساتذة أكفاء، وترك بعض البرامج في أيدي من لا يملكون الخبرة الكافية لتوجيه الطلبة علميًا وأكاديميًا.

أصبح من الشائع أن تجد طلبة في الماستر لا يستطيعون صياغة جملة مفيدة، ولا يمتلكون القدرة على التحليل أو التفكير النقدي، رغم التحاقهم بسلك الدراسات العليا. هذا الوضع ينعكس سلبًا على جودة البحث العلمي، ويجعل الماستر يفقد مكانته كأداة لإعداد خريجين مؤهلين لمواجهة تحديات سوق الشغل. الأدهى من ذلك، هو التوسع المفرط في عدد الماسترات، دون مراعاة جودة البرامج ومؤهلات الأساتذة المشرفين، ما أدى إلى تشتت الموارد وتراجع مستوى التكوين بشكل ملحوظ.

التحدي المعاصر الذي يفاقم الأزمة يتمثل في الانفتاح المفرط على البحوث الجاهزة والذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن هذه الأدوات يمكن أن تكون مساعدة إذا استخدمت بشكل واعٍ، إلا أن الاعتماد عليها بشكل عشوائي يكرس الكسل والخمول ويبعد الطلبة عن التعب والإبداع والبحث الجاد عن المصادر الأصلية. للأسف، أصبح بعض الطلبة ينسخون نصوصًا جاهزة أو يعتمدون على مولدات المحتوى دون وعي علمي، مما يؤدي إلى تراجع القدرة على الكتابة الأكاديمية المستقلة وإنتاج المعرفة الأصيلة.

إضافة إلى ذلك، هناك ضعف واضح في تدريب الطلبة على صياغة المشاريع البحثية وصياغة العروض الأكاديمية، وهو ما يجعلهم عاجزين عن تقديم بحوث متكاملة أو الدفاع عن أفكارهم بموضوعية.
كما يبرز غياب الربط الحقيقي بين برامج الماستر ومتطلبات سوق الشغل، ما يؤدي إلى تخريج طلبة غير جاهزين لمواجهة تحديات العمل الفعلي، وهو أمر يضر بالمصداقية العلمية للجامعات وبثقة المجتمع في شهاداتها.

ولا يمكننا تجاهل انتشار ظواهر التحايل الأكاديمي والغش، سواء عبر استخدام الأبحاث الجاهزة أو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بطريقة مفرطة، أو حتى من خلال نسخ أعمال الآخرين.
كل هذا يجعل الماستر يتحول إلى ورقة رسمية فارغة، دون أن يعكس مستوى علميًا حقيقيًا، ويبعد الطالب عن قيم البحث والابتكار والإنتاج العلمي المسؤول.

إصلاح هذا الوضع يتطلب تدخلًا جريئًا وشاملاً، يجب العودة إلى انتقاء صارم للطلبة، عبر مباريات شفوية وكتابية تضمن التحاق الأكفاء فقط.
كما يجب التركيز على تقليص عدد الماسترات غير الضرورية، وإسناد التدريس والإشراف إلى أساتذة كبار مشهود لهم بالكفاءة والمصداقية، مع متابعة دقيقة لكل طالب لضمان تحقيق الأهداف الأكاديمية المرجوة.

علاوة على ذلك، يجب تعزيز مهارات البحث العلمي والكتابة الأكاديمية لدى الطلبة، وتشجيعهم على الاعتماد على المراجع الأصلية والمصادر الموثوقة، بدل الاستسهال في استخدام الذكاء الاصطناعي والبحوث الجاهزة، كما يجب ربط برامج الماستر باحتياجات سوق الشغل، لتأهيل خريجين قادرين على التكيف مع متطلبات العمل، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.

كفى من العبث والكذب الأكاديمي. الماستر يجب أن يعود إلى وظيفته الحقيقية: بناء قدرات علمية حقيقية، وتخريج طلبة قادرين على الإنتاج العلمي المستقل، ومتأهبين لمتطلبات سوق الشغل، إذا لم يتحقق ذلك، ستظل شهادات الماستر مجرد ورق بلا مضمون، وسيفقد التعليم العالي جزءًا كبيرًا من مصداقيته وثقة المجتمع به، الوقت ليس للتسويف، بل للتحرك الجدي لإصلاح منظومة الماستر، وإعادة الاعتبار للبحث العلمي، وضمان أن تكون كل شهادة تُمنح قيمة حقيقية على المستوى الأكاديمي والمهني.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *