الغرامة اليومية بديل عقابي بين فلسفة الإصلاح وشبهة العدالة الطبقية

إن اعتماد الغرامة اليومية كبديل للعقوبة الحبسية ليس مجرد إجراء تقني في السياسة الجنائية، بل هو مؤشر على تحول عميق في فلسفة العقاب بالمغرب. فالمشرع، وهو يفتح الباب أمام هذا النمط من العقوبات، إنما يعلن بشكل غير مباشر عن عجز المقاربة التقليدية القائمة على السجن في معالجة الجريمة، ويؤكد في المقابل على الحاجة إلى حلول أكثر واقعية ونجاعة.
لقد نص الفصل 35-14 من القانون الجنائي على الغرامة اليومية باعتبارها وسيلة لتخفيف الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، لكن في العمق، هي خطوة نحو إعادة تعريف العلاقة بين الجريمة والعقاب، بين المجتمع والعدالة. فالقيمة المالية المحددة ما بين مائة وألفي درهم عن كل يوم من العقوبة، ليست مجرد أرقام، بل تعبير عن إرادة سياسية لتقليص اللجوء إلى الحبس وإحلال منطق التعويض والمصالحة محل منطق الانتقام والزجر الأعمى.
إن ربط هذه العقوبة بالصلح وجبر الضرر يكشف أن الدولة تسعى إلى إدماج الضحية في مسار العدالة، فلا استفادة من البديل دون تعويض أو تنازل، وهو ما ينسجم مع التحولات العالمية التي تعطي الأولوية للعدالة التصالحية على حساب العدالة العقابية الصرفة. غير أن السؤال الجوهري الذي يظل مطروحاً هو: هل نحن بصدد إصلاح حقيقي أم مجرد محاولة لتخفيف الضغط عن السجون دون معالجة جذور الأزمة الجنائية؟
من الناحية العملية، تبدو المسطرة دقيقة، يحددها قاضي تطبيق العقوبات، وتُحاط بآجال وآليات أداء متعددة، من الأداء عبر المحكمة أو البنوك إلى الاقتطاع من الحسابات داخل المؤسسات السجنية. لكن هذا الانضباط الشكلي لا يعفي من طرح الإشكال الجوهري: ماذا عن الفئات الهشة التي لا تملك القدرة المادية على الاستفادة من هذا البديل؟ أليس في الأمر تكريس لعدالة طبقية، حيث يُتاح للأغنياء استبدال السجن بالمال بينما يبقى الفقراء رهائن للزنازن؟
هنا تبرز ضرورة التتبع القضائي والإداري الصارم، ودور النيابة العامة وقضاة تطبيق العقوبات في منع الانزلاق نحو الإفلات من العقاب. فالغرامة اليومية ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لضبط التوازن بين حق المجتمع في الردع، وحق الفرد في العدالة، وحق الضحية في جبر الضرر.
إنها خطوة جريئة في اتجاه تحديث السياسة الجنائية، لكنها في الوقت نفسه اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على جعل بدائل العقوبة أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، لا مجرد آلية لتفريغ السجون من نزلائها. وفي المحصلة، فإن فعالية هذا الاختيار ستظل مرهونة بجرأة الإصلاحات المواكبة له، وبمدى استعداد الدولة لربط العدالة بالعقلانية الاجتماعية لا فقط بالموازنات المالية للسجون.