العنف الرقمي في المغرب : فضاء رقمي يتسع… وجرائم تتطور

العنف الرقمي في المغرب : فضاء رقمي يتسع… وجرائم تتطور

مراد علوي

باحث في الدراسات السياسية و المؤسساتية

بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية

و الاجتماعية أكدال الرباط

يشهد المغرب تصاعدا ملحوظا في ظاهرة العنف الرقمي الذي يُعد انتهاكا صارخا للحقوق الأساسية للأفراد بما في ذلك الحق في الكرامة والخصوصية ويستهدفهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصال الرقمي. هذا العنف يشمل التشهير والابتزاز ونشر المواد الحميمة دون موافقة والتنمر الإلكتروني وانتحال الهوية، و يعد اعتداءا مباشرا على الحقوق الشخصية ويهدد الأمن النفسي والاجتماعي للمواطنين، مما يستدعي تفعيل ترسانة قانونية متكاملة تشمل المنظومة التشريعية والسلطة القضائية والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني والإعلام مع الاستفادة من التقنيات الحديثة بما فيها الذكاء الاصطناعي.

يحمي القانون المغربي هذه الحقوق عبر عدة نصوص أساسية. القانون رقم 103‑13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء يدرج العنف الرقمي ضمن الجرائم المعاقب عليها قانونيًا خصوصًا في حالات نشر الصور أو تسجيلات الفيديو الحميمة أو ممارسة الابتزاز عبر المراسلات الخاصة. القانون رقم 03‑07 المتعلق بالجرائم المعلوماتية يفرض عقوبات على الولوج غير المشروع إلى الأنظمة الرقمية واعتراض المعطيات الشخصية والاعتداء على محتوى البيانات، مما يصنفها ضمن الجرائم الإلكترونية المعاقب عليها قانونا . ويحتوي القانون الجنائي على فصول مثل 607‑3 و607‑4 التي تحدد مسؤولية الجناة وتفرض العقوبات على من يتدخل أو يعتدي على الأنظمة الرقمية بما يضر بسلامة المعطيات والأمن السيبراني.

ويظهر التطبيق القضائي لهذه الترسنة القانونية في حالات متعددة مثل نشر المواد الحميمة دون إذن حيث يمكن للضحايا تقديم شكاية جنائية أمام النيابة العامة ويصدر القضاء أحكامًا بالحبس والغرامات وفق العقوبات المحددة قانونيًا. في حالات الابتزاز الرقمي عبر الرسائل أو البريد الإلكتروني يسمح القانون بالاعتماد على الأدلة الرقمية مثل المراسلات ولقطات الشاشة والبيانات التقنية لضمان متابعة الجناة قضائيًا. كما يعالج القانون حالات انتحال الهوية الرقمية والتشهير عبر الوسائط الرقمية مع الالتزام بحماية الضحايا وفق أحكام القانون بما يشمل التنمر الإلكتروني والتحرش الرقمي خصوصا ضد الفئات الضعيفة.

ويواجه القضاء المغربي تحديات تقنية وقانونية معقدة بسبب انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي الذي قد ينتج محتوى مفبرك يصعب التثبت من صحته. ومن هنا أصبح الاجتهاد القضائي أداة ضرورية لتفسير النصوص القانونية وتطبيقها على المستجدات الرقمية بما يحفظ الحقوق الأساسية للضحايا. وتعتمد المحاكم على قبول الأدلة الرقمية وفق المعايير القانونية والتقنية الصحيحة بما يعزز مبادئ العدالة الرقابية ويوازن بين حماية الخصوصية وحرية التعبير.

كما يؤدي الذكاء الاصطناعي دورا مزدوجا فهو من جهة يمثل وسيلة جديدة لارتكاب الجرائم الإلكترونية ومن جهة أخرى يشكل أداة للتحقق والمراقبة مثل رصد المحتوى المسيء وتحليل الحسابات الوهمية ودعم الجهات القضائية والأمنية في تعقب الجناة بما يعزز الردع القانوني.

ويلعب المجتمع المدني دورا تكميليا من خلال تنظيم حملات توعية قانونية وتقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا ومساعدتهم على جمع الأدلة الرقمية وصياغة شكايات قابلة للتطبيق أمام النيابة العامة والمحاكم. وتساهم المؤسسات التعليمية في نشر الثقافة القانونية والرقمية لدى التلاميذ والطلبة وتعليمهم كيفية حماية بياناتهم الشخصية وفهم الحقوق والواجبات القانونية في الفضاء الرقمي.

وتسعى المؤسسة التشريعية إلى تحديث النصوص القانونية لمواكبة التحولات الرقمية من خلال تجريم الابتزاز الإلكتروني وإعادة نشر المحتوى الحميمي دون موافقة وتحديد مسؤوليات المنصات الرقمية بما يعزز الأمن القانوني والرقمي ويقوي أدوات الردع. ويؤدي الإعلام دورا توعويا ورقابيا من خلال نشر ثقافة الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا وكشف الانتهاكات القانونية وتحفيز الضحايا على تقديم شكاياتهم لضمان حماية حقوقهم.

وتتطلب مواجهة العنف الرقمي في المغرب مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد تجمع بين الترسانة القانونية الفعالة والسلطة القضائية والوعي المجتمعي إلى جانب حضور دور المؤسسات التعليمية والإعلامية لتصدي هذه الأفة ، ويعتمد نجاح هذه الجهود على تكاتف جميع الأطراف لبناء ثقافة رقمية تحترم المسؤولية القانونية والخصوصية وكرامة الإنسان وتؤسس لبيئة رقمية آمنة ومستقرة تواكب التطورات التكنولوجية الحديثة .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *