العروي الثائر في ثوب المؤرخ قراءة فلسفية وتقديم تحليلي

العروي الثائر في ثوب المؤرخ قراءة فلسفية وتقديم تحليلي
بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع – باحث في القانون العام والعلوم السياسية

في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات حول من يملك “القول التاريخي”، يطل عبد الله العروي بصفته صوتًا منفردًا، لا يؤرخ للأحداث بقدر ما يزعزع استقرار المسلمات، فـ”الثائر في ثوب المؤرخ” ليس وصفًا مجازيًا لرحلة العروي الفكرية، بل هو مفتاح لفهم نسقه المعرفي الذي يشاكس، يحاكم، ويعيد البناء.

المؤرخ الذي يكتب ضد التاريخ
حين اختار العروي أدوات المؤرخ، لم يكن يسعى إلى أرشفة الماضي، بل إلى تفكيكه.
لقد واجه التاريخ العربي الإسلامي لا بوصفه مجالًا زمنيًا، بل باعتباره منظومة من الخطابات المؤسسة للهوية والثقافة والسياسة، فكان همّه الأعمق هو فضح “الإيديولوجيا المقنّعة في التاريخ”، وكشف حدود التأويلات المطمئنة التي تجعل من الماضي سقفًا للحاضر لا بوابة نحو المستقبل.

الثورة كوعي لا كفعل
ما يميز العروي أنه حمل مشروعًا ثوريًا دون أن يلوّح بالقطيعة العنيفة أو العداء السطحي للتراث، فكانت ثورته معرفية، عميقة، موجهة إلى النخبة كما إلى الدولة. إن أطروحاته حول الدولة، العقل، الحداثة، والوعي التاريخي ليست إلا محاولة لإحداث زلزال هادئ داخل البنية الذهنية التقليدية.
في هذا المعنى، هو امتداد لنموذج المفكر العضوي الغرامشي، لا من موقع الالتزام السياسي المباشر، بل من موقع إنتاج المفاهيم الفاعلة.

الفلسفة كتأريخ للممكن
يتخذ فكر العروي بُعدًا فلسفيًا حين نقرأه كمشروع تأويلي للممكنات التي لم تتحقق في التجربة العربية.
لم يكن مهجوسًا فقط بتشخيص التأخر، بل بإبراز شروط تجاوزه. لقد أدرك أن التاريخ ليس مجرد وقائع، بل طريقة في التفكير، وأن التأريخ هو في جوهره بناء سياسي للذاكرة.
من هنا كانت دعوته للقطيعة المعرفية لا ترتكز على النفي، بل على إعادة التأسيس.

المثقف الملتزم: وجه المؤرخ المناضل
لم ينفصل مشروع العروي عن سؤاله الأهم: كيف ننتقل من مجتمع تقليدي إلى دولة حديثة؟ وكيف نبني المواطنة في ظل الموروث الثقيل؟ إن حضوره كمثقف نقدي ملتزم جعله يتحرك بين الأكاديمية والسياسة دون أن يسقط في التبعية.
إنه المثقف الذي يمارس فعله السياسي من داخل مفاهيمه، لا من منابر الشعارات.

خاتمة: العروي كضمير معرفي مغاربي
ليس من السهل تصنيف عبد الله العروي. فهو لا يرضى لنفسه موقع المطمئن، ولا يقبل بأن يكون صدى لأي تيار. هو الثائر المتخفي في ثوب المؤرخ، والمؤرخ الذي يسائل التاريخ بثقل الفيلسوف. لذلك، سيظل فكره دعوة مفتوحة لإعادة تأسيس علاقتنا بالزمن، وبالذات، وبالدولة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *