العالم على حافة الهاوية في زمن يصبح فيه السلام خيارا صعبا

يظل حلم السلام مسعى متجددًا، تقصده الشعوب المكلومة في كل مرة يشتد فيها لهيب الحرب، وتعلو أصوات المدافع فوق صوت العقل. لكنه يظل، في واقع الأمر، حلمًا مؤجلاً، بل معلقًا بخيط رفيع وسط عالم تتزايد فيه النزاعات، وتُراق فيه الدماء بسهولة مرعبة، وكأن الإنسانية لم تتعلم شيئًا من مآسيها المتكررة.
من حرب روسيا وأوكرانيا، التي تحولت إلى صراع استنزاف طويل، إلى العدوان المستمر على غزة الذي كشف الوجه العاري لمنظومة دولية صمّاء، ومن نزاعات إفريقيا إلى التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، يبدو أن خريطة العالم قد استعادت كل مظاهر الجنون التي ظنّ كثيرون أنها باتت من الماضي. الشرق الأوسط مجددًا على كفّ عفريت، والكل يشهر سلاحه وينتظر شرارة قد تتحول إلى حرب إقليمية شاملة.
في ظل هذا الواقع القاتم، لا حديث عن المبادئ ولا عن القانون الدولي، بل عن حسابات القوة وموازين الردع والتدخلات الخارجية. تتهاوى المدن، تُزهق الأرواح، يُيتم الأطفال، وتُرمى أوراق السلام في سلة النسيان، بينما تجلس القوى الكبرى في مقاعد المتفرج أو المحرض.
أين ذهبت تلك الشعارات التي رفعتها الأمم بعد الحرب العالمية الثانية؟ أين مسؤولية مجلس الأمن؟ أين الضمير الإنساني؟ يبدو أن العالَم انزلق إلى وضع تُصبح فيه الدبلوماسية ترفًا، والعقلانية ضعفًا، والمطالبة بالسلام موقفًا يُقابل بالسخرية.
لكن، ورغم ذلك، لا مفر من التمسك بالحلم. فالعالم لا يحتمل مزيدًا من التصعيد. التلويح بالحروب لم يعد مجرد استعراض للقوة، بل تهديد فعلي لكوكب يعاني أصلًا من أزمات وجودية: بيئية، اقتصادية، وإنسانية. لم تعد القضية فقط من ينتصر، بل إن السؤال الحقيقي: ما الذي سيتبقى أصلًا ليفوز به أحد؟
نعم، لا سلام دون عدالة، ولا سلام دون إنهاء الاحتلال، ولا سلام دون محاسبة المجرمين. لكن البداية تبقى في تحكيم العقل بدل الرهان على سباقات الدمار. لا بد أن تُستعاد الدبلوماسية من الرماد، لا بد أن تعود السياسة إلى معناها النبيل: فنّ إدارة الاختلاف، لا إدارة الخراب.
الحرب ليست قدرًا، بل خيار. والسلام أيضًا خيار، لكنه يتطلب شجاعة من نوع آخر: شجاعة الاعتراف بالأخطاء، شجاعة الإصغاء للضحايا، وشجاعة كسر دوامة العنف. فهل يجرؤ العالم على الاختيار؟