الشرق الأوسط على فوهة بركان… ولا أحد يملك خريطة النجاة

لم تكن الحرب بين إيران وإسرائيل مجرد احتمال بعيد في حسابات الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. لقد كانت شبحًا يحوم فوق العواصم، ينام أحيانًا، لكنه لا يختفي. أما الآن، فقد استيقظ هذا الشبح بكل ضراوته، وها نحن أمام حرب مفتوحة، تشتد يومًا بعد يوم، وتتجاوز فيها الدماء حدود السياسة، وتصبح الكارثة واقعًا لا مجرد سيناريو.
منذ اندلاع هذه المواجهة، والأرقام تنذر بما هو أخطر: قتلى، جرحى، مدن مدمرة، منشآت حيوية في مرمى النيران، وحكومات تتخبط بين لغة التهديد والاستغاثة. إيران تضرب من عمق استراتيجيتها العقائدية، وإسرائيل ترد من عمق غرائزها الأمنية. كلا الطرفين يلوّح بـ”الضرورة الوجودية”، وكأن المنطقة لا تتّسع إلا لأحدهما.
لكن دعونا نتجاوز الدخان ونطرح السؤال الأصعب: من الرابح في هذه الحرب؟ أو بالأحرى، من الذي لن يخسر كل شيء؟ لا إيران ستخرج منها بلا جراح، ولا إسرائيل ستبقى بمنأى عن التداعيات الداخلية. ما نراه اليوم هو فشل مزدوج: فشل في استباق الانفجار، وفشل في عقلنة الصراع. ومع ذلك، لا تزال الحسابات الباردة غائبة، والسياسة غارقة في استعراض القوة.
الأخطر من كل هذا، هو أن العالم يتفرج. البيانات الدولية تتحدث عن “القلق”، وكأن الصواريخ المتطايرة فوق تل أبيب ونطنز مجرد نشرة جوية مضطربة. لا وساطات جادة، ولا مؤشرات على رغبة حقيقية في وقف الانحدار. يبدو أن الكل ينتظر ليرى “إلى أي حد يمكن أن يصل الجنون”، قبل أن يتحرك.
لكن الجنون في الشرق الأوسط له تاريخ، وله قدرة عجيبة على الاستمرار، بل والتوسع. ومع وجود لاعبين إقليميين آخرين قد يستغلون الفراغ أو يسقطون في فخ الاصطفاف، فإن حرب إيران وإسرائيل ليست مجرد تصعيد ثنائي، بل تهديد شامل لمجمل الأمن الإقليمي. سوريا، لبنان، العراق، غزة، اليمن… كلها جبهات قابلة للاشتعال، وكلها تتنفس من رئة هذه الحرب.
لقد أثبتت هذه المواجهة، من جديد، أن منطق القوة وحده لا يصنع أمنًا، وأن الحرب التي تبدأ بشعار “الردع” لا تنتهي دائمًا عند حدوده. ما تحتاجه المنطقة اليوم ليس انتصارًا عسكريًا لأحد، بل لحظة صدق جماعية تُنهي هذا العبث، وتعيد صياغة المعادلة: لا أمن بلا عدالة، ولا استقرار بلا تسويات حقيقية، تعيد للدبلوماسية بعضًا من ماء وجهها المهدور.
وإلا، فسنظل نكتب عن جثث تُنقل، ومدن تُقصف، وشعوب تُدفن تحت ركام صراعات لا تنتهي، سوى حين تُفنى أسباب الحياة.