«الشان»… إنذار قبل الكان

«الشان»… إنذار قبل الكان
مجلة 24 - إلياس الحرفوي

الكرة لا تكذب، وهي أحيانا تقول أكثر مما يمكن للكلمات أن تصفه. بطولة إفريقيا للاعبين المحليين “الشان” 2025، التي أقيمت بتنظيم مشترك بين كينيا وتنزانيا وأوغندا، لم تكن تتويجا عاديا للمنتخب المغربي، بل كانت بيانا صارخا عن قوة لاعبي البطولة الوطنية وإمكانياتهم الكامنة. لقد حصل المنتخب المغربي المحلي على لقبه الثالث بقيادة مدربين مغاربة: الأولى مع جمال السلامي في 2018، والثانية مع الحسين عموتة في 2020، والثالثة مع طارق السكتيوي في 2025. هذه الإنجازات تُظهر عمق الخبرة الوطنية وقدرة المدرب المغربي على قيادة فرق محلية نحو النجاح القاري، وقد جاء التتويج الأخير ليؤكد أن الأداء الجماعي والروح القتالية كانتا حاضرتين في كل مباراة، وأن الفوز كان مستحقًا عن جدارة. واللافت أن هذا المنتخب، الذي صعد إلى منصة التتويج، جُمِع في أسبوع واحد فقط قبل انطلاق المنافسة، ومع ذلك أبان لاعبوه عن مرونة كبيرة، وانسجام سريع، وروح جماعية استثنائية جعلت الإنجاز أكثر قيمة وإشعاعا.

على مدار البطولة، لمع كل نجم بأدائه المميز الخاص، وبرزت أسماء تؤكد أن المحليين قادرون على صناعة الفارق وحمل قميص المنتخب الأول بجدارة. ربيع حريمات العميد لم يقتصر دوره على القيادة، بل تُوج أفضل لاعب في البطولة، مستحقًا بكل جدارة استدعاءه للمنتخب الوطني. أسامة المليوي القناص حسم المباريات بأهدافه وتوج هداف البطولة، ليطرح السؤال: كيف يمكن تجاهل هداف “الشان” وأفضل لاعب؟ أنس باش أبدع في خط الوسط بمساته التكتيكية الحاسمة، وميهري نظم الإيقاع الهجومي وصنع الفرص ببراعة. مروان لوادني قدم أداء دفاعيا متوازنا يجمع بين القوة والتنظيم، في حين أظهر بولكسوت توازناً مثالياً بين الهجوم والدفاع، مع لمسات راقية ومراوغات حاسمة. في الخلف، كان المهدي لحرار صخرة المرمى ويوسف بالعمري الدرع الصلب للدفاع. هذا التناغم الجماعي جسد روح الفريق وجعل من “الشان” منصة لإبراز المواهب الوطنية وتأكيد جدارتها.

الرسالة التي أرسلها اللاعبون المحليون كانت واضحة: البطولة الوطنية ليست ساحة تدريب ثانوية، بل خزّان للمواهب القادرة على التألق على أعلى المستويات. في المقابل، لا تزال بعض قرارات الجهاز الفني للمنتخب الأول تثير علامات الاستفهام، مع تجاهل لاعبين محليين لديهم خبرة إفريقية حقيقية، في حين يحصل محترفون لا يشاركون دقائق كافية في أنديتهم على فرص المشاركة. “الشان” أثبت أن الاعتماد على المحليين ليس خيارا ثانويا، بل ضرورة لتقوية المنتخب الوطني وتجديد دمائه.

هذه البطولة كانت رسالة قبل الكان، دعوة للاعتراف بالمواهب المحلية والاستثمار فيها، فالمستقبل الوطني للكرة المغربية يمر عبر الملاعب المحلية كما يمر عبر النخبة التي تجتهد وتقاتل على أرض الواقع. الأداء البطولي للاعبين المحليين ليس انتصارا عاديا، بل جرس إنذار للجهاز الفني ولمن يتجاهل قدرة أبناء البطولة المغربية على حمل قميص المنتخب الأول والتميّز في المنافسات القارية والدولية.

“الشان” 2025 أثبت مرة أخرى أن كرة القدم المغربية غنية بالمواهب، وأن الطريق نحو منتخب قوي لا يمر حصريًا عبر أوروبا، بل يبدأ من هنا، من ملاعبنا، من الأندية التي تُكوّن وتُنافس وتُقاتل في أدغال إفريقيا. اللاعبون أرسلوا رسالتهم بوضوح: “نحن هنا… فلنمنحنا مكانا يليق بنا”، قبل أن تبدأ المنافسات الكبرى ويصبح الأوان متأخرا، وذلك عبر احترام قدرات اللاعبين المحليين ومنحهم الفرص الحقيقية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *