الخبرة القضائية في المادة الجبائية بالمغرب بين النص القانوني والعمل القضائي -دراسة تحليلية-

الخبرة القضائية في المادة الجبائية بالمغرب بين النص القانوني والعمل القضائي -دراسة تحليلية-
بقلم الدكتور : عبد العزيز موهيب

مما لا شك فيه أن الضريبة تشكل إحدى صور المساهمة في تحمل الأعباء والتكاليف العامة، وأداة فعالة في النهوض بالجانب السوسيو اقتصادي لكل بلد، حيث تسهم الإيرادات الجبائية في حسن تدبير الشؤون السياسية للدول على اختلاف مستويات نموها وتقدمها، لذلك اهتم المشرع المغربي بتأطيرها على غرار مجموعة من التشريعات المقارنة، وقد خول للإدارة الضريبية، كجهاز إداري مسؤول عن تطبيق السياسة الجبائية أمر فرضها وتحصيلها، وسن لها قواعد إجرائية، تقنن مجال تدخلها للمحافظة على هذه الموارد متمتعة بسلطات الشخص العام لأجل تنظيم هذا القطاع وضبط الوقائع المنشئة للضرائب بشتى أنواعها، وفي مقابل ذلك نص على مجموعة من الضمانات القانونية لحماية الملزم من كل تعسف أو شطط قد ترتكبه الإدارة الجبائية في حقه، غير أنه وبالنظر للتدخل المستمر لها في إطار ممارسة المهام المنوطة بها قانونا، وبالنظر أيضا لمجموعة من العوامل الموضوعية أهمها تعدد النصوص القانونية وتعقيدها وصعوبة تفسيرها وتطبيقها لكثرة الإحالات الواردة بهذه النصوص، فقد تتسبب هذه العوامل مجتمعة في نشوب منازعات بين الطرفين، ولتسويتها أوجد المشرع المغربي مجموعة من الوسائل على المستوى الإداري، حيث أعطى الفرصة للملزم في طلب تصحيح الأخطاء والتجاوزات التي قد تقع فيها الإدارة باللجوء إلى الطعن الإداري، لحل الخلاف الذي بينه وبينها، كما فتح باب القضاء أمام الطرفين في حالة فشل الاليات الإدارية في تسوية المنازعات بينهما .

غير أنه وبالنظر لما تتميز به المنازعات في المادة الجبائية من خصائص كالتعقيد والتركيب، فإن القاضي يقف أحيانا موقف العاجز لافتقاره لتقنيات حسابية وفنية تؤهله لاستجلاء هذا الغموض و فك عناصره، وحتى لا يرفض البث في النازلة مخافة من تعرضه لجريمة إنكار العدالة المنصوص عليها بموجب مقتضيات الفصل 392 ق م م ، فإن القاضي يجد نفسه مضطرا لإصدار أمره بتعيين خبير قضائي، تنحصر مهمته في تنوير المحكمة بالمعطيات التقنية والواقعية المعتمدة في تحديد وعاء الضريبة وتصفيتها من خلال تقرير مفصل في الموضوع، وهو أمر عادي ومنطقي لأن القدرة المطلوبة في القاضي هي قدرة قانونية وليست تقنية لعدم وجود قاضي متخصص في المجال الجبائي وملم بالجوانب المحاسبية والتقنية .

والملاحظ أن المشرع المغربي أغفل التعريف بالخبرة القضائية، مما دفع بعض الفقه إلى سد هذا الفراغ واعتبرها” إجراء من إجراءات التحقيق، يلتجئ إليها قضاء الموضوع عادة قصد الحصول على المعلومات الضرورية بواسطة أهل الاختصاص، وذلك من أجل البث في مسائل علمية أو فنية، تكون عادة محل نزاع بين الخصوم في الدعوى، ولا يستطيع أولئك القضاة الإلمام بها والتقرير بشأنها دون الاستعانة بالغير “أوهي “إجراء من إجراءات التحقيق يعهد بواسطته القاضي إلى شخص مختص يسمى الخبير، قصد تنوير معارفه في المسائل التقنية أو الفنية التي يتوقف على إدراكها الفصل في النزاع، أو القيام بمعاينة وقائع مادية يشق على القاضي الوصول إليها، وعلى العموم إبداء رأي يتعلق بها علما أو فنا لا يتوفر في الشخص العادي الوصول إليه وحده” .

والخبرة القضائية في الفقه الفرنسي: ” عبارة عن إجراء تحقيق يعهد به القاضي لأشخاص مؤهلين، لديهم كفاءة ومعرفة علمية وفنية للقيام بأبحاث وتحقيقات لا يستطيع القاضي القيام بها بنفسه، ويقدم الخبير تقريرا بما توصل إليه من نتائج ”
ونرى أن الخبرة القضائية هي بكل بساطة “إحدى إجراءات التحقيق، تأمر بها المحكمة لاستجلاء غموض حول مسائل علمية أو فنية تستعصي على الشخص العادي ترتبط بالنزاع يعهد بها إلى شخص مختص في المجال يسمى الخبير”.

وقد حدد المشرع المغربي الإطار القانوني للخبرة القضائية بموجب الفصول (59 إلى 66)من قانون المسطرة المدنية ، وبسط جميع المقتضيات المرتبطة بها، غير أنه على المستوى العملي قد يتجاوز الخبير المهام المسندة له من طرف القاضي والمحددة بالحكم التمهيدي في شكل مجموعة من الأسئلة الفنية والعلمية، ليتدخل في الشق القانوني وهو اختصاص أصيل للقضاء، مما ينعكس سلبا على جودة الأحكام ولا يخدم تحقيق النجاعة المطلوبة، وقد يسبب هذا التداخل في المهام تراجع الثقة المفترضة للعدالة، كجهاز مهمته الأساسية حماية الحقوق الفردية والجماعية للأشخاص، ومن هذا المنطلق يأتي التساؤل حول مدى استحضار المشرع لأهمية وضع الحدود الفاصلة لمهام الخبير بالكيفية التي تضمن استقلالية القاضي أثناء الفصل في النزاع الضريبي، وتسهم في تحقيق العدالة الجبائية المنشودة.

ولمعالجة هذا الموضوع نرى ضرورة الانطلاق من الإشكالية المركزية التالية:
إلى أي حد توفق المشرع الجبائي المغربي من خلال تنظيمه لمقتضيات الخبرة القضائية في رسم حدود الخبير بالكيفية التي تضمن استقلالية القاضي أثناء الفصل في النزاع الضريبي.؟
وتتفرع عن الإشكالية المحورية مجموعة من التساؤلات مثل:
• كيف نظم المشرع الضريبي الخبرة القضائية في مجال الدعوى الضريبية؟
• ما طبيعة مهام الخبير القضائي في الدعوى الضريبية؟
• ما هي حدود تدخل الخبير القضائي في المادة الضريبية؟
• ما هي سلطات القاضي الإداري لضبط حسن سير الخبرة المحكوم بها؟
• إلى أي حد يمكن الحديث على تحقيق عدالة جبائية في ظل استمرار تدخل الخبير في القرار القضائي؟
للإجابة عن الإشكالية المركزية والتساؤلات الفرعية أعلاه، نرى دراسة الموضوع من خلال تقسيمه إلى محورين اثنين نتحدث في الأول عن مهام الخبير القضائي في المادة الجبائية من خلال التشريع المغربي، فيما نخصص المحور الثاني للحديث عن تأثير الخبير على المحكمة في إصدارالاحكام القضائية في المادة الجبائية من خلال القضاء المغربي. وذلك على النحو التالي:
يتبع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *