الحماية الجنائية لقرينة البراءة من الصحافة في التشريع المغربي

الحماية الجنائية لقرينة البراءة من الصحافة في التشريع المغربي
بقلم سعيد حفيظي:

تعتبر قرينة البراءة إحدى الركائز الأساسية للعدالة الجنائية، فهي الضمانة التي تحول دون إدانة الأفراد استنادا إلى الشبهات أو الانطباعات. وقد كرس الدستور المغربي في الفصل 23 هذا المبدأ بنصه على أن “كل شخص متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي نهائي”، وهو ما يشكل قاعدة عليا يتعين على جميع الفاعلين احترامها، بما في ذلك الصحافة التي تملك تأثيرا كبيرا على تشكيل الرأي العام.

وإدراكا لخطورة التشهير والإدانة الإعلامية المسبقة، تدخل المشرع المغربي عبر نصوص صريحة في القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر. فقد نص الفصل 445 من القانون الجنائي على تجريم إفشاء السر المهني أو نشر معلومات من شأنها المساس بحرمة التحقيق أو سرية الجلسات. كما عاقب الفصل 447 مكرر على بث أو توزيع أقوال أو صور أو تسجيلات تمس بالحياة الخاصة للأشخاص أو سمعتهم، بعقوبات حبسية وغرامات مالية. أما الفصل 89 من قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 فقد منع نشر صور أو بيانات تتعلق بأشخاص متابعين قبل صدور حكم نهائي، إذا كان ذلك من شأنه التأثير على الرأي العام أو على القضاء. كما جرم الفصل 97 من القانون نفسه نشر أي وثائق أو مستندات تتعلق بإجراءات الدعوى العمومية قبل أن تصبح علنية، تحت طائلة الغرامة.

هذه المقتضيات تبين أن المشرع وضع شبكة من الضوابط لضمان عدم تحول الصحافة إلى محكمة بديلة، ولحماية سمعة الأفراد وكرامتهم من الإدانة الإعلامية قبل الإدانة القضائية.

غير أن الواقع يبرز أن النصوص لا تُطبق دائما بالصرامة المطلوبة، وهو ما تكشفه بعض الوقائع التي تحولت إلى قضايا رأي عام. ولعل ما وقع للممثلة المغربية غيثة عصفور مثال حي على ذلك، حيث سارعت بعض المنابر، وفي مقدمتها قناة شوف تيفي، إلى نشر تفاصيل مثيرة عن توقيفها، مرفقة بصور وتعليقات حاملة لإيحاءات قوية بالذنب. وقد جرى تداول هذه المعطيات على نطاق واسع، بما خلق إدانة شعبية مسبقة، رغم أن القضاء انتهى إلى حفظ الملف وإخلاء سبيلها. هذا التباين بين ما روج إعلاميا وما قضى به القانون يوضح بجلاء حجم الخلل في احترام قرينة البراءة.

إن الدرس المستفاد هو أن الحماية الجنائية، رغم أهميتها، لا تكفي وحدها. فلا بد من تفعيلها بصرامة من طرف القضاء، مع تعزيز الدور التأديبي والأخلاقي لمجالس الصحافة. كما يتعين على الجسم الإعلامي أن يعيد الاعتبار لمدونة الأخلاقيات التي تؤكد على عدم جواز إصدار أحكام أو اتهامات في قضايا معروضة أمام القضاء.

فالحرية الصحفية لا تنفصل عن المسؤولية، والحق في الخبر لا يمكن أن يكون على حساب الحق في الكرامة والبراءة. وإذا كان القانون قد نص على مقتضيات واضحة في هذا المجال، فإن التحدي الحقيقي يظل في تطبيقها بحزم، حتى لا تتحول الصحافة إلى سلطة إدانة خارج القانون.

إن حماية قرينة البراءة من الصحافة ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي رهان ديمقراطي يعكس مدى جدية المجتمع في صون الحقوق والحريات، وترسيخ دولة الحق والقانون حيث تظل الكلمة الأخيرة للقضاء وحده.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *