الابتزاز الإعلامي الفرنسي… حين يسقط القلم في فخ العداء للمغرب

شكّلت علاقة المغرب بالصحافة الفرنسية منذ عقود طويلة ملفاً معقداً، تحكمه الريبة أكثر مما تحكمه الثقة، وتطغى عليه لغة الابتزاز أكثر مما تسوده قيم النزاهة والموضوعية، فكلما تعزز حضور المغرب في محيطه الإقليمي والدولي، وكلما ارتفعت أسهمه كقوة إقليمية صاعدة، إلا وخرجت بعض الأقلام الفرنسية لتعيد إنتاج خطاب قديم متهافت، هدفه الأول ليس البحث عن الحقيقة، وإنما ممارسة الضغط والابتزاز عبر المقالات والتحقيقات المشبوهة.
ولعل ما دشنته جريدة لوموند يوم الاثنين 26 غشت، بإعلانها عن حملة إعلامية من ست حلقات ضد المغرب، ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل طويل من العداء الممنهج. فمنذ السطر الأول من مقالها الافتتاحي، يتضح أن الهدف ليس تقديم مادة صحفية رصينة، بل إثارة ضجة سياسية وإعلامية، من خلال استهداف المؤسسة الملكية مباشرة، عبر الحديث المغلوط عن صحة جلالة الملك محمد السادس، دون أي سند علمي أو دليل موثوق.
إن المغرب، دولة وشعباً، لا يحتاج إلى من يلقنه دروساً في تاريخه وعلاقته بسلاطينه وملوكه. فالعلاقة بين العرش والشعب المغربي علاقة عضوية، متجذرة في التاريخ، موثقة في الذاكرة الجماعية، ومحفوظة في وجدان المغاربة، الذين يرون في الملكية ضامناً للوحدة والاستقرار. ولهذا كان الرد على هذه الحملة عكسياً: التفافاً جماعياً حول المؤسسة الملكية، ورفضاً قاطعاً لأسلوب التزييف الذي تتبناه بعض المنابر الفرنسية.
إن الأمر لا يتعلق هنا بحرية صحافة أو تحقيق استقصائي نزيه، بقدر ما يتعلق بممارسة قديمة ــ جديدة، قوامها ابتزاز المغرب ومحاولة فرض أجندات سياسية واقتصادية، ولعل التاريخ القريب شاهد على ذلك: فحادثة الصحفيين الفرنسيين لوران وكاترين غراسيي، اللذين ضُبطا متلبسين بمحاولة ابتزاز جلالة الملك محمد السادس مقابل مبالغ مالية، تكشف أن الابتزاز الإعلامي ليس تهمة مجانية، بل ممارسة موثقة وفضيحة أخلاقية هزت صورة الصحافة الفرنسية نفسها.
ولم تقف الممارسات عند هذا الحد، بل تجددت مع ما عُرف بقضية “بيغاسوس”، حيث سارعت عدة صحف فرنسية إلى اتهام المغرب بالتجسس دون أي دليل مادي، معتمدة فقط على مصادر غامضة وروايات مفبركة.
لكن ما لبثت تلك الادعاءات أن انهارت، لتنكشف حقيقة أن الهدف لم يكن البحث عن الحقيقة، بل ضرب صورة المغرب وتشويه سمعته دولياً.
اليوم، مع الحملة الجديدة لـ لوموند، نلمس استمراراً لنفس النهج: هجوم موجه ضد المؤسسات الأمنية والسيادية للمغرب، وتوظيف أسماء بعض المرتزقة والخونة كتوابل إعلامية لإرضاء النظام العسكري الجزائري، الذي يجد في هذه الحملات مادة دعائية مجانية. لكن ما غاب عن مهندسي هذه الهجمة أن المغرب، ملكاً وشعباً، يزداد قوة كلما اشتد الهجوم عليه، وأن محاولات النيل من رموزه لا تؤدي إلا إلى تعزيز الالتفاف الوطني حول قيادته.
المثير في هذه الحملة هو الكيل بمكيالين الذي تمارسه الصحافة الفرنسية: فبينما تجند أقلامها لمهاجمة المغرب والملك محمد السادس، تكتفي بخبر عابر عن حوادث مأساوية في الجزائر، أو تختزل أزمات النظام الجزائري في عبارات هامشية، متجاهلة الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الشعب الجزائري نفسه عن مصير رئيسه أو عن انهيار البنية التحتية لبلاده.
إن هذا السلوك الإعلامي المنحاز يعكس بوضوح أن بعض المنابر الفرنسية لا تزال أسيرة عقلية استعمارية قديمة، ترى في المغرب مجرد موضوع للتأديب أو الضغط. غير أن المغرب لم يعد اليوم ذلك البلد القابل للابتزاز.
فمغرب اليوم، كما أكد جلالة الملك في أكثر من مناسبة، ليس هو مغرب الأمس: إنه مغرب الندية والوضوح، مغرب القرار المستقل، مغرب لا يقبل المساومة على سيادته ولا يرضخ لأي ضغط مهما كان مصدره.
لقد كان من السذاجة أن يعتقد صحفيان مثل كريستوفر عياد وفريديك بوبان، أن بإمكانهما زعزعة ثقة المغاربة بملكهم عبر مقالات سطحية تفتقر لأي عمق تحليلي. فأقلامهما القذرة، كما وصفها عبد الله بوصوف، لا تختلف كثيراً عن أقلام المرتزقة التي تعودت الاصطياد في المياه العكرة، دون وعي بتاريخ المغرب الاستثنائي الذي لم يخضع يوماً لأي قوة، سواء في زمن العثمانيين أو خلال فترة الاستعمار أو أثناء العواصف الإقليمية التي عصفت بالمنطقة.
المغرب اليوم يواجه معركة إعلامية لا تقل أهمية عن معاركه الدبلوماسية والاقتصادية، وهي معركة عنوانها الرئيسي: الدفاع عن الاستقلالية ورفض الابتزاز.
فالمملكة المغربية ليست بحاجة لشهادات مزيفة من جريدة فقدت منذ زمن طويل بوصلة المصداقية، بل تملك رصيداً تاريخياً وحضارياً وسياسياً يجعلها قادرة على فرض كلمتها وكتابة سرديتها الخاصة، دون وصاية من أقلام مرتزقة أو منابر مأجورة.
ولذلك، فإن قراءة الحلقات الخمس المتبقية من حملة لوموند ليست ذات جدوى، لأن المغاربة يعرفون جيداً من يكونون، ويعرفون إلى أين يقودهم جلالة الملك محمد السادس.
أما الصحافة الفرنسية، فستظل تكتشف ــ مرة بعد أخرى ــ أن لعبة الابتزاز الإعلامي لم تعد تجدي مع المغرب، وأن عهد الوصاية انتهى إلى غير رجعة.