الأحزاب السياسية والسياسة الرياضية في المغرب

الأحزاب السياسية والسياسة الرياضية في المغرب
بقلم: المصطفى الهيبة (إطار بقطاع الرياضة)

 

تحتل الرياضة في المغرب مكانة مركزية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
فهي ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل أصبحت أداة لتجسيد قيم المواطنة، والانتماء، والهوية الوطنية، كما تحولت إلى مجال حيوي يعبّر من خلاله الشباب عن طموحاتهم الاجتماعية والسياسية.
غير أن هذا الدور المتصاعد يجعل من الرياضة أيضا موضوعا سياسيا بامتياز، حيث تتقاطع فيه سياسات الدولة مع توجهات الأحزاب، ويتجلى فيه مدى قدرة الفاعل الحزبي على تحويل الخطاب الرياضي إلى سياسة عمومية فعالة.
نهدف من خلال هذا التناول إلى تحليل كيفية تعاطي الأحزاب السياسية المغربية مع السياسة الرياضية، من خلال تتبع مواقفها وبرامجها وسلوكها المؤسساتي، واستجلاء طبيعة العلاقة بين الرياضة والفاعلين السياسيين في السياق المغربي.
*ملامح السياسة الرياضية في المغرب:
تبلورت السياسة الرياضية في المغرب ضمن رؤية الدولة الرامية إلى جعل الرياضة رافعة للتنمية البشرية والاجتماعية، خاصة بعد صدور القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة.
هذا الإطار التشريعي حاول وضع أسس حديثة لتدبير القطاع عبر:
-تنظيم الجمعيات والأندية الرياضية ومراقبة تسييرها.
-تشجيع الاستثمار في البنيات التحتية الرياضية.
-دعم الممارسة الرياضية لدى الشباب والنساء.
-تأطير الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ورغم أهمية هذا القانون، فإن تفعيل السياسة الرياضية على أرض الواقع ظل محدودًا بسبب ضعف التنسيق بين المؤسسات، وتعدد المتدخلين، وغياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم تمتد على المدى المتوسط والطويل.
وهنا تبرز مسؤولية الأحزاب السياسية، سواء في موقع المعارضة أو في موقع التدبير، في بلورة رؤية سياسية واضحة للقطاع الرياضي وتفعيلها ضمن السياسات العمومية.
*موقع الرياضة في الخطاب الحزبي المغربي:
تعكس الوثائق والبرامج الانتخابية للأحزاب المغربية تفاوتا واضحا في الاهتمام بالملف الرياضي.
فبعض الأحزاب ذات المرجعية الاجتماعية، مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تتعامل مع الرياضة باعتبارها جزءا من مشروع التنمية الشاملة ووسيلة للاندماج الاجتماعي.
بينما ترى أحزاب أخرى، مثل العدالة والتنمية أو الأصالة والمعاصرة، في الرياضة مجالا لتعزيز القيم المواطنة وتقوية روح الانتماء، لكنها غالبًا تكتفي بعبارات عامة دون ترجمة عملية في السياسات الميدانية.
أما الأحزاب الليبرالية فتربط الرياضة بالتنمية الاقتصادية والسياحية، معتبرة إياها قطاعا استثماريا واعدا يمكن أن يخلق فرص عمل ويجلب رؤوس الأموال.
ومع ذلك، يبقى الطابع الانتخابي هو السائد في التعامل الحزبي مع٧ الرياضة، إذ يوظف هذا الملف غالبا لكسب الشعبية المحلية أو الظهور الإعلامي، دون٧ الالتزام بمشاريع هيكلية مستدامة.
*الأحزاب وتدبير الشأن الرياضي:
يتجلى الحضور الحزبي في الرياضة المغربية من خلال مواقع النفوذ داخل الأندية والجامعات الرياضية.
فالكثير من المسيرين ينتمون إلى أحزاب سياسية أو قريبون منها، وهو ما يجعل المجال الرياضي عرضة للتسييس ولتبادل المصالح.
في عدد من الحالات، تستعمل الجمعيات والأندية كأدوات للتقرب من الناخبين أو لبناء شبكات محلية داعمة للحزب، خصوصا في المدن الكبرى حيث تحتل كرة القدم مركزا في الوجدان الجماهيري.
لكن هذا التداخل أدى إلى مشاكل هيكلية، مثل غياب الشفافية في التسيير، وتضارب المصالح، وتراجع المهنية.
فالرياضة المغربية لم تستطع بعد أن تتحرر كليا من التأثيرات الحزبية، مما يضعف مصداقية السياسات العمومية ويحول دون بناء نموذج وطني احترافي ومستدام.
*السياسات العمومية بين الدولة والأحزاب:
تتولى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المغرب رسم الخطوط العريضة للسياسة الرياضية الوطنية، غير أن تنزيل هذه السياسة يعتمد بدرجة كبيرة على الجماعات الترابية والجهات التي تسيّر من قبل المنتخبين المنتمين للأحزاب.
هنا يظهر بوضوح التباين بين إرادة الدولة المركزية والخيارات الحزبية المحلية:
فبينما تركز الوزارة على توسيع قاعدة الممارسة الرياضية وتحسين البنيات، تسعى بعض الأحزاب في الجماعات إلى توجيه التمويل نحو الأندية أو المشاريع التي تخدم مصالحها الانتخابية.
هذا التفاوت في الرؤية يؤدي إلى غياب الانسجام الوطني في التخطيط الرياضي، ويفتح الباب أمام تفاوتات مجالية صارخة بين المدن الغنية والمناطق القروية الفقيرة من حيث التجهيزات والفرص الرياضية.
*محدودية الرؤية الحزبية للرياضة كقضية مجتمعية:
تتعامل معظم الأحزاب المغربية مع الرياضة كمجال ثانوي في سلم أولوياتها، رغم أنها تشكل فضاء واسعا للتعبئة والتأطير السياسي للشباب.
إذ نادرا ما نجد لجانا متخصصة داخل الهياكل الحزبية تعنى بالسياسات الرياضية، كما أن الخطاب الحزبي لا يربط الرياضة بمفاهيم المواطنة، التربية، أو الاندماج الاجتماعي إلا بصفة عامة.
في المقابل، تركز الأحزاب على ملفات أخرى مثل التشغيل والتعليم والصحة، دون إدراك أن الرياضة يمكن أن تكون قناة فاعلة لمعالجة هذه القضايا عبر الإدماج الاجتماعي والاقتصادي.
*نحو تصور جديد للعلاقة بين الرياضة والسياسة.
إن تجاوز هذه الاختلالات يتطلب من الأحزاب المغربية إعادة تعريف دورها في بناء السياسة الرياضية عبر ما يلي:
-صياغة برامج حزبية واضحة تتضمن أهدافا كمية ونوعية لتطوير الرياضة.
*فصل المجال الرياضي عن التوظيف السياسي، مع اعتماد معايير شفافة في دعم الأندية والجمعيات.
*إشراك الكفاءات الشبابية والنسائية في صياغة السياسات الرياضية وتدبيرها.
-تعزيز الرقابة البرلمانية والسياسية على تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية في المجال الرياضي.
-التحول من المقاربة الانتخابية إلى المقاربة التنموية، حيث تعتبر الرياضة ركيزة للتنمية البشرية وليست مجرد وسيلة دعاية انتخابية.
***تظهر التجربة المغربية أن العلاقة بين الأحزاب السياسية والسياسة الرياضية ما تزال محكومة بالتوظيف الظرفي والمصلحي أكثر من الرؤية الإستراتيجية.
فغياب مشروع وطني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *