افتتاحية مجلة 24: عودة لموضة التدين والاندحار الأخلاقي

افتتاحية مجلة 24: عودة لموضة التدين والاندحار الأخلاقي
بقلم فؤاد الجعيدي


كان ولا زال الإسلام نعمة كونية، اهتم بالشؤون الدنيوية للناس، أكثر من اهتمامه بالجانب العقائدي.
فما العقيدة في هذا الدين السمح؟ هو الإقرار بوحدانية الله، خالق الكون وعدم الشرك به والحق في عبادته، وشكره على نعمه وفضائله، وبالتالي فهو صاحب الحساب يوم الدين.
وهذه العلاقة التي تربط المخلوق بخالقه، لا وسيط فيها حيث المحاسبة شخصية، بخلاف عقائد أخرى والتي كانت تضع بين الله ومخلوقاته وسيطا يستقبل المناجاة والتوسلات لينقلها لله كما هو الشأن في الديانة المسيحية.
في العقيدة الإسلامية التوجه لله لا يقتضي الضلوع في علوم الدين وإنما بالقلوب الخاشعة المؤمنة الصادقة، التي ليست بها غشاوة وإن عميت في صدورها انزلقت إلى شرور أهوائها.
ثم يعود الإسلام لتمثل، أهم ما ينبغي الاشتغال عليه، وهو تنظيم العلاقات بين البشر، والسعي لترسيخ فضائل القيم، في الأذهان والنفوس ليدرك الناس طمأنينتهم في هذه الحياة.
النص القرآني، يدرك فيه خالق الكلام أهواء الناس، وكيف سقطت أمم غابرة لما فسدت طباعهم وقيمهم واستشرى الفساد بينهم، فأرسل رسلا وأنبياء لحث الناس عما ينبغي أن يكون عليه، الإنسان ويدرك ويفرق بين الحلال والحرام ما يضر الناس وما ينفعهم ما يستهدف مصالحهم وما يكون سببا في تعاستهم.
حيث جاءت العديد من السور، تذكرنا بقصص الأنبياء، وكيف صار من ذويهم المؤمن والعاق، هؤلاء الرسل والأنبياء الذين اختلطوا مع الناس، وسعوا لأرزاقهم بالكدح، منهم النجار والخياط والحداد والراعي.. لكن قواسمهم المشتركة، ناهضوا الظلم والفساد والجور الاجتماعي، ويشيعون بينهم قيم العدالة واحترام كرامة الناس، وعدم إذلالهم والقسوة عليهم.
هذا هو الاختبار العظيم، الذي مر منه كل أنبياء الله ورسله وهي القضايا الجوهرية التي استمرت في كل الحضارات والمذاهب الإنسانية.
لكن منذ أن بدأ الدين، يعرف تيارات سياسية، أخذ الناس التدافع للدنيا، وقضاء مأربهم فيها، وصوروا لنا أنفسهم، أوصياء الله في أرضه، يحكمون بشرائع على هواهم وينسبونها إلى الله، وجرى التنافس على تلويك الكلام المسجوع، الذي لا يخاطب في الناس عقولهم، بل يعمل على تنويمهم بالحديث عن أهوال آخرة لم يروها، وقبور لم يسكنوها بعد، ويتحدثون عن رؤيتها رؤية العين ،ويعدمون الناس في حقهم للتمتع بالدنيا وطيبها، وحشا أن يخلق الله كل هذا الكون عبثا، لأن لا تتدبره عقولنا وقلوبنا، وأن نمجد فيه خالق الكون، بالتمتع فيه بنعمه وشكره على فضائله التي لا تعد ولا تحصى.
من يصدوننا على النعم، يريدون الاستفراد بها لأنفسهم، وكذلك يفعلون. افتحوا عيونكم كيف صارت أحوال هذا الرهط، يملكون العمارات ويسيطرون على التجارات ويركبون السيارات الرباعية الدفع,, صارت لهم أذرع دعوية بها يلفون عقول الناس ويجمعون الهبات والصدقات والدعم من المجالس التي تحكموا فيها.
علموا الناس التدين الأعمى، ولم يسعوا في تعليمهم القيم والأخلاق، التي تحرم أكل السحت والنبز في الأعراض، لا يجرؤون على مناقشة الأفكار بل يسعون في الهجوم على الناس بالمغالطات ونشر الفتن.
صار الناس في عهد دعواتهم، أكثر إقبالا على المساجد وعلى حلقات الوعظ والإرشاد ولهم ألبسة استوردوها من حضارات أخرى، وشعوب أخرى وتنكروا لتراثنا وغناه، ويعملون على إبادته في العادات المرتبطة بتاريخ شعبنا وبصماته وتفرده على الشعوب من المنطقة العربية والاسلامية، وباتوا فاقدين للقيم والأخلاق المثلى التي تربينا عليها داخل تربة أحضان وطننا.
هذا الانقلاب والانهيار الأخلاقي في السياسة ومماراستها النبيلة، بات يسائلنا جميعا وبقوة للتصدي لهذه التوجهات،، والتي لم تنتج سوى الفقر والشقاء. وراكمت النعيم في وجه من استخدموا الدين في السياسة فما صلح الدين وما صلحت السياسة. والبرهان القوي والصريح هو أحوالنا بعد عقدين من التحكم لهذا التيار السياسية ذو العباءة الدينية.
لم يلتفتوا، لسيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، الذي جاء رحمة للعالمين، فيما هم كانوا وباء على الناس. لم يقولوا لنا أن نبينا كان ( على خلق عظيم ) أمينا صادقا رؤوفا بخلق الله، ولم يكن فظا غليظ القلب، ولا مستفردا بشؤون الرعية مثلما فعلوا.. حتى أفقدوا الدين من مضامينه الرفيعة وقيمه السمحة وسعيه في استقرار الناس في حياتهم والاقبال عليها بقلوب مطمئنة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *