اشغلهم قبل ما يشغلوك

اشغلهم قبل ما يشغلوك
بقلم أمل العاصمي.

تفتقت عبقرية خدام المخزن في أواسط القرن التاسع عشر، من باشوات و قياد، حين لاحظوا بداية تململ المغاربة في كل الربوع، حضرية و بدوية، لرفض جملة إجراءات ضريبية، في خضم أزمة سيولة نقدية أوصلت الدولة لإفلاس مريع، اضطرها لتنازلات سيادية و الرضوخ لرقابة الدول المدينة ( من بينها وضع كل الموانئ و دواوين استخلاص الضرائب و الإتاوات تحت الرقابة المستمرة لموظفي الدول المقرضة . . إلخ تفتقت عبقرية أولئك الخدام على منهجية جهنمية لإبعاد الرأي العام المغربي آنذاك عن متابعة الشأن العام للدولة، و ذلك بجعل المواطنين ينشغلون ببعضهم البعض، فكانت سياسة (اشغلهم قبل ما يشغلوك). كان البند الرئيسي في تلك الخطة إطلاق يد أعتى المجرمين و قطاع الطريق ليعيثوا فسادا في الأرض و البشر، لينشغل المواطنون بانعدام الأمن و فقدان الإحساس بالأمان، عن الخوض في مسار دراماتيكي وجد الحكام إذ ذاك نفسهم رهينة له، و ما زاد الطين بلة، أن أولئك الباشوات و القياد و الخلفان و حاشيتهم كان عليهم تدبير أجورهم عبر إتاوات يفرضونها مباشرة على كافة ساكنة إقليمهم، بدءا بالتجار و الصناع و الحرفيين إلى ساكنة البوادي من فلاحين و رعاة و غيرهم . من هنا كان دور تلك العصابات، و هي في غالبيتها مؤطرة من قبل بعض التابعين لنفوذ أولئك الموظفين المحليين، محوريا في إرضاخ الساكنة لنزوات أولئك المسؤولين و في إبعادهم عن الخوض في الشأن العام غير أن أولئك المخططين، حجبت عنهم ثقتهم في عبقريتهم، و جهلهم المأساوي لتاريخ الشعب الذي تسلقوا لحكمه، استقراء عفوية و عنف ردود فعله عبر أحقاب التاريخ.. فكان أن شكل المواطنون في كل المدن و القرى و الدواوير جماعات حراسة و دفاع أهلية مشكلة من ساكنة كل منطقة للوقوف في وجه تلك العصابات و ردعها، في تحد شعبي لسلطة الدولة، و التي كانت حقيقة قد قدمت استقالتها عن القيام بواجبات حماية مواطنيها نتيجة لتغول طبقة فيودالية فلاحية و شقيقة لها بورجوازية حضرية مستوليتان فعليا على كل الشأن المحلي عن طريق إرشاء و إخضاع كافة السلطات المحلية..
و من هنا سيدخل المغرب حقبة سوداء في تاريخه، أطلق عليها : (عهد السيبة) و التي ستفتح أبواب المغرب كلها لفترة حماية ستدوم من سنة 1912م إلى العام 1956م
سقت هذا للذين يجهلون تاريخ هذا البلد ، عساهم يتنازلون و يلقون و لو نظرة بسيطة على تاريخ البلد الذي وضعت أمانته بين أيديهم .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *