اجتماع حكومي يرسم ملامح العدالة المغربية الجديدة: نحو أفق الإصلاح والتأهيل

اجتماع حكومي يرسم ملامح العدالة المغربية الجديدة: نحو أفق الإصلاح والتأهيل
محمد أزلو:

في مشهد يليق بأهمية المرحلة التاريخية التي تعيشها المملكة المغربية، ترأس رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم الخميس 3 أبريل 2025 بالرباط، اجتماعًا بالغ الأهمية خصص لمتابعة تنزيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في شهر غشت المقبل. هذا القانون ليس مجرد نص تشريعي، بل هو جزء من منظومة إصلاحية شاملة تسعى إلى إعادة تشكيل العدالة الجنائية في البلاد، بما يتماشى مع تطلعات الشعب المغربي وتوجيهات الملك محمد السادس، الذي لطالما أكد في خطاباته السامية على ضرورة بناء منظومة عدالة حديثة، عادلة، وإنسانية.

وفقًا لما جاء في البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة، فإن هذا الاجتماع لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل محطة أساسية للوقوف على مدى تقدم إعداد مشروع مرسوم العقوبات البديلة. وقد تم خلاله تدارس الإمكانيات التقنية والبشرية والمالية المطلوبة لإنجاح هذا الورش الضخم. فإقرار هذا القانون جاء بعد دراسة دقيقة لتجارب دولية رائدة في مجال العقوبات البديلة، إلا أن المغرب اختار أن يصوغ هذا الإصلاح وفق خصوصيته الثقافية والاجتماعية، ليكون نموذجًا فريدًا يجمع بين الفعالية والإنصاف.

استحضر رئيس الحكومة خلال الاجتماع الخطب الملكية التي تشكل بوصلة الإصلاحات الكبرى في البلاد. فقد دعا الملك محمد السادس في غير ما مناسبة إلى تبني سياسة جنائية جديدة، توازن بين عقاب الجاني وتأهيله، وبين ضمان الأمن المجتمعي وحماية الحقوق الفردية. هذا القانون، الذي ينتظر أن يغيّر وجه العدالة في المغرب، يعكس تلك الروح الملكية السامية التي تسعى إلى جعل القانون وسيلة للارتقاء بالمجتمع، وليس مجرد أداة للزجر.

أبرز البلاغ الحكومي أن العقوبات البديلة تسعى لتحقيق أهداف متعددة، تتجاوز حدود الردع الجنائي لتصل إلى تحقيق التأهيل والإدماج الاجتماعي. فهي تأتي كاستجابة للتحديات التي تواجه المؤسسات السجنية، مثل الاكتظاظ الذي بات يُثقل كاهل النظام السجني المغربي، فضلًا عن التكلفة المالية المرتفعة التي تتحملها الدولة. هذه العقوبات، التي تقتصر على الجرائم التي لا تتجاوز عقوبتها الحبسية خمس سنوات مع استثناء حالات العود، تنقسم إلى أربعة أصناف رئيسية:

1. العمل لأجل المنفعة العامة: حيث يُلزم الجاني بأداء مهام تخدم المجتمع، ليصبح العقاب فرصة للإصلاح وليس مجرد انتقام قانوني.
2. المراقبة الإلكترونية: وهي تقنية حديثة تسعى إلى ضمان التزام الجاني بشروط معينة دون الحاجة إلى احتجازه داخل أسوار السجن.
3. تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية: وهو إجراء يستهدف الجوانب النفسية والاجتماعية للجاني، لضمان عدم عودته إلى ارتكاب الجرائم.
4. الغرامة اليومية: التي تسهم في تحقيق الردع المالي دون اللجوء إلى العقوبة السجنية.

لا يمكن النظر إلى هذا القانون بمعزل عن السياق الأوسع الذي يعيشه المغرب في مجال الحريات والحقوق العامة. فالعقوبات البديلة ليست مجرد خيار تشريعي، بل فلسفة إصلاحية تهدف إلى إعادة بناء العلاقة بين المواطن والقانون. إنها دعوة للجناة إلى فتح صفحة جديدة مع المجتمع، وفرصة لهم للتأهيل والاندماج بدلًا من الانغماس في دوامة السجن التي غالبًا ما تقود إلى تكرار الجرائم.

رغم الطموحات الكبيرة التي يحملها هذا القانون، فإن تنزيله يواجه تحديات لا يُستهان بها. فمن جهة، يتطلب الأمر توفير بنية تحتية تقنية وبشرية قادرة على ضمان فعالية هذه العقوبات، ومن جهة أخرى، يحتاج إلى تغيير ثقافي في نظرة المجتمع إلى الجريمة والعقاب. وهنا يبرز دور الحكومة في توفير الإمكانات اللازمة، والتنسيق بين مختلف القطاعات المعنية لضمان نجاح هذا الورش الإصلاحي.

إن القانون رقم 43.22 ليس مجرد خطوة نحو إصلاح العدالة، بل هو إعلان عن ميلاد رؤية جديدة للعدالة الجنائية في المغرب. رؤية تتجاوز الحدود التقليدية للعقاب لتصل إلى بناء الإنسان، وخلق مجتمع أكثر تماسكًا وإنصافًا. ومع دخول هذا القانون حيز التنفيذ، سيكون المغرب أمام فرصة تاريخية لإحداث تحول جذري في مفهوم العدالة، ليصبح نموذجًا يحتذى به في العالم العربي والإفريقي.

ختامًا، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستنجح الحكومة في تحويل هذا الحلم الإصلاحي إلى واقع ملموس؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال الكبير، لكن الأكيد أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو بناء مستقبل أكثر إنسانية وعدالة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *