إنه “بركان” يؤكد..« الميدان يا احميدان »

في لحظة كان يعتقد أن المواجهة ستكون معقدة، وأن الظروف ستكون أكبر من طموح الانتصار، ظهر نهضة بركان بوجهه الحقيقي: فريق لا يهاب التحديات، ولا يرضى بغير الحسم الواضح. برباعية نظيفة في ذهاب نصف نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية، وجه البركانيون إنذارا مبكرا لمنافسيهم، وأكدوا أن من يستهين بهم، لا يدرك بعد معنى اسمهم.
عندما يحين وقت التحدي، لا مجال للحديث سوى عن الأقدام التي تصنع التاريخ. نهضة بركان في كل مرة يتواجه فيها مع منافس قوي، سواء محليا أو إفريقيا، يثبت مرة أخرى أن الميدان هو المكان الذي تكتب فيه قصص البطولات. لا يتوقف الأمر عند فوز أو خسارة، بل يصبح كل لقاء بمثابة لحظة فارقة تكشف عن الإرادة والعزيمة التي تتحلى بها الفرق التي تحمل على عاتقها طموحات جماهيرها، وأملا في رفع راية بلدها عاليا في الساحة القارية.
بعيدا عن أجواء القميص “الخريطة” وشحن وخطابات السياسة، تفجرت طاقات اللاعبين البركانيين على أرضية الميدان في مواجهة شباب قسنطينة الجزائري. لا حاجة للحديث عن أي شيء آخر خارج خطوط الملعب، حيث كانت لغة الأقدام هي الوحيدة التي تستحق الاهتمام. في المباراة، كان الفريق يدير المباراة بمهنية وعقلانية، بعيدا عن أي تأثيرات خارجية قد تزعزع التركيز. نهضة بركان أراد أن يثبت في كل مرة أن الميدان هو الذي يتحدث، وأنه لا ينشغل إلا بالفوز وتحقيق الهدف الأسمى.
في مواجهة الذهاب أمام شباب قسنطينة الجزائري، لم يكن بركان يبحث عن ضجيج إعلامي أو تصفية حسابات خارج المستطيل الأخضر، بل قدم درسا في التركيز والانضباط والهدوء القاتل. سجل، ضغط، وتفنن، وكأن الفريق يلعب نهائيا وليس مجرد شوط أول من معركة إفريقية حامية.
لكن برغم هذا الانتصار الكبير، فإن المعركة لم تنتهِ بعد. الإياب في الجزائر لن يكون نزهة، بل امتحان جديد لنضج الفريق، واختبار لشخصية لاعبين عرفوا كيف يتحكمون في التفاصيل، وسيطلب منهم أن يتقنوا لغة التسيير والتوازن أكثر من لغة الهجوم والإبهار. هناك، سيختبر بركان في صموده، في انضباطه، في قدرته على استكمال ما بدأه على أرضه.
نعم، نهضة بركان حقق فوزا كبيرا في الذهاب، ورفع من حظوظه في الوصول إلى النهائي. أربعة أهداف نظيفة في مباراة الذهاب تعني الكثير، ولكن الثقة في كرة القدم لا تكون إلا في العزيمة والتركيز على كل تفاصيل المباراة القادمة. كرة القدم لا تمنح أي فريق حقا في الاطمئنان، بل تتطلب دائما الحذر واليقظة. في الإياب، شباب قسنطينة لن يستسلم بسهولة، ولن يترك المجال للفريق البركاني للراحة. على بركان أن يواصل السير بنفس الوتيرة، أن يحافظ على تركيزه، وأن يواصل العمل على تفاصيل فوزه.
الفريق البركاني لا يطلب المجد، بل يصنعه. اللاعبون، الطاقم، وحتى الجمهور، جسدوا المعنى الحقيقي للتلاحم بين المدينة وفريقها. وفي زمن أصبحت فيه بعض الفرق الكبيرة تهزم بسبب الغرور، اختار بركان أن يبقى متواضعا قبل المباراة، ومهيبا داخلها.
نعم، إنه بركان يؤكد في الميدان يا احميدان… يؤكد أن الرد لا يكون بالكلمات ولا بالتحليلات، بل بالركض على العشب، وبالأهداف التي تسكت كل الأصوات.