إقليم سطات مواطنون يصوتون على جلاديهم… ومحمد علي حبوها يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه

سطات، هذا الإقليم الشاسع الذي يشبه وطناً صغيراً داخل الوطن، يستعد من جديد لدخول معركة انتخابية أخرى في 2026. معركة ليست جديدة في شيء، لأننا تعودنا أن ندخلها بروح منهزمة، ونخرج منها بنتائج مفزعة نكتشف لاحقاً أننا نحن من صنعناها بأيدينا. المفارقة الكبرى هنا أن المواطن في سطات يشكو التهميش، ويدين الفساد، ويحتج على الوضع التنموي البئيس… ثم يذهب في يوم الاقتراع ليضع صوته في الصندوق لصالح نفس من هم سبب كل هذا الخراب.
في جماعات اقليم سطات لم نعد نجد فرقاً حقيقياً بين دورة انتخابية وأخرى سوى في حجم الشعارات التي تُرفع، والوعود التي تُقال وتُنسى، أما الفاعلون فهم أنفسهم: وجوه استهلكتها عقود من الريع والزبونية والولاءات القبلية. هؤلاء الذين يركبون على الجهل، ويستغلون فقر الناس لتكريس هيمنتهم السياسية، يخرجون بعد كل اقتراع من الصندوق أقوى مما كانوا عليه، لأننا ببساطة جعلنا من الصندوق أداة لتدوير الرداءة بدل أن يكون وسيلة لتغييرها.
الكل يعرف أن إقليم سطات لا يفتقر إلى الإمكانات. موقعه الاستراتيجي، أراضيه الخصبة، شبابه الطموح، مؤهلاته الفلاحية والسياحية والصناعية، تجعل منه إقليماً نموذجياً يمكن أن يكون قاطرة للتنمية. لكن أين نحن من ذلك؟ أين وصل مشروع المنطقة الصناعية بالبروج؟ لماذا مازالت البنيات الصحية في سطات المدينة لا تليق حتى بمدينة صغيرة؟ لماذا ما زال المواطنون يقطعون الكيلومترات من أجل قطرة ماء أو مستوصف؟
لأننا في كل دورة نسمح لنفس اللوبيات أن تعود لتتحكم فينا. لوبيات تعتمد على شراء الذمم، توزيع القفف في آخر ليلة، زرع الإشاعات، وتجييش العصبيات القبلية وكأننا في القرون الوسطى. لوبيات تدرك جيداً أن ثقافة المواطن هنا ما زالت هشّة، وأن ذاكرته قصيرة، وأن الغالبية لا تملك الجرأة لمحاسبتها أو حتى رفضها.
هنا يظهر الدور المختلف للعامل محمد علي حبوها، الذي عُيّن على رأس الإقليم سنة 2025 في محاولة من وزارة الداخلية لضخ دماء جديدة في إدارة هذا المجال الترابي. منذ وصوله، أطلق إشارات قوية: جولات ميدانية إلى الجماعات الهامشية، حزم إداري ضد فوضى التعمير، تتبع صارم لبعض المشاريع المتعثرة، اجتماعات متتالية مع المنتخبين ورؤساء المصالح لإخراج الإقليم من وضعية الانتظار. حبوها جاء وهو واعٍ أن مهمته لن تكون سهلة، لكنه بدا مصرّاً على أن يضع حداً لعقود من الفوضى والتسيّب الإداري والمالي التي جعلت من سطات إقليماً بمؤهلات معطلة.
لكن مهما بلغت إرادة العامل، فهو لن ينجح وحده إذا ظل المواطن متواطئاً مع جلاديه. فليست الإدارة الترابية وحدها من تعاني اختلالات، بل أيضاً المواطن الذي يقاطع الانتخابات أو يبيع صوته بثمن بخس، أو يصوت لمرشحين فاشلين فقط لأنهم أبناء القبيلة.
الشباب، وهم أكبر كتلة ناخبة، ما زالوا في أغلبهم غائبين عن الموعد. غيابهم لا يعني سوى ترك المجال لجيوب الفساد كي تعيد إنتاج ذاتها. شباب اقليم سطات، رغم احتجاجاتهم المتكررة ضد البطالة والتهميش، يختارون في النهاية العزوف يوم الاقتراع، وكأن العزوف سلاح ضد الفساد، بينما هو في الواقع أكبر خدمة للفساد.
انتخابات 2026 لن تكون استثناءً ما لم نكن استثناء. لن تكون فرصة للتغيير إلا إذا قررنا أن نصوت بوعي، أن نحاسب بجرأة، أن نقول “لا” للمال الانتخابي والقبيلة والانتماء العاطفي، وأن نكسر هذا الحصار النفسي الذي يجعلنا نقبل بالقليل ونخشى مواجهة الجلادين. محمد علي حبوها قد يبذل جهداً كبيراً لإصلاح الإدارة، لكن بدون مواطنين أحرار واعين بحقوقهم، سيبقى صوته صرخة في واد.
المواطن في اقليم سطات، وفي المغرب عموماً، عليه أن يدرك أن الورقة التي يضعها في الصندوق أخطر من أي رصاصة، لأنها قد تقتله في بطء طيلة ست سنوات تالية. عليه أن يفهم أن المنتخب الذي يسرق ميزانية المستوصف الذي يعالج فيه أطفاله، أو الطريق التي يسلكها كل يوم، هو مجرد انعكاس لصوت باعه في ليلة مظلمة بثمن بخس.
في النهاية، سطات اليوم على مفترق طرق. إما أن تكون انتخابات 2026 بداية لتصحيح المسار، فيلتقي العامل والمواطن على إرادة واحدة، أو محطة جديدة في مسرحية عبثية مملة. كل واحد منا يقرر. فإما أن نصوت على مشاريع مستقبلية وكفاءات نزيهة، وإما أن نستمر في التصويت على جلادينا، ثم نصرخ من الألم ونحن نعرف أن الألم نحن من صنعناه.
فليكن شعارنا هذه المرة: “لن نصوت على من يقتلنا مرتين… ولن نترك من يحاول إنقاذنا يحارب وحده