أسرار و كواليس الشرق الأوسط الجديد

بعد الانتهاء من تثبيت الاستراتيجيات الدولية، لهذا القرن، من طرف القوى النافذة، التي تدير العالم، تم الانتقال بهذه الاستراتيجيات، إلى مرحلة تنزيل تفاصيلها، وهو ما بدأت تتضح معه، ملامح الشرق الأوسط الجديد، و ما يتسرب عنه من أسرار و تفاصيل، تصل إلينا عبر معلومات مجزأة، نحاول جاهدين القيام بتوليفها، قصد وضع جمهور “مجلة 24″، أمام صورة واضحة لا تشوبها ضبابية.
إذ ذاك ما نراه، من تجليات و مؤديات لقضايا وصراع الشرق الأوسط ، المصنفة بكونها الأكثر تعقيدا على مستوى العلاقات الدولية، و هو التعقيد الذي أراد “بنيامين نتنياهو” تفكيكه ، من خلال الحروب، التي شنتها إسرائيل على العديد من الجبهات الإقليمية، وهو ما أهل الحكومة الإسرائيلية، لتكثيف الضغط على الإقليم، من أجل تحقيق شروط صفقة القرن، وهي أبرز ما تضمه ملامح الشرق الأوسط الجديد،و ما ترتبط به من تشعبات تنطلق منه، وإلى باقي مناطق العالم، وبالنسبة لإيران، فإن الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” و مستشاريه حددوا لطهران سقفا زمنيا جديدا لإبرام اتفاق عاجل ، حيث تم محاصرة إيران بين خيارين لا ثالث لهما، و هما:
1-خيار عدم الاستسلام، و بالتالي تعرضها لحصار اقتصادي شامل، سيشمل جميع مناحي الحياة بالنسبة للشعب الإيراني، مع ضربات عسكرية أمريكية مكثفة، و من بين ما سيستعمل فيها هذه المرة ،القنابل الكهرومغناطسية، التي ستلقى على العاصمة طهران، و باقي المدن الإيرانية، وهو ما سيعطل أنظمة الاتصالات بجميع صنوفها، و الأجهزة الإلكترونية، عن طريق توليد هذه القنابل لنبضة كهرومغناطسية قوية، تتداخل مع عمل الأجهزة و تسبب تلفها، إذ هذه النبضة ستطال أيضا شبكات الكهرباء، وما إلى ذلك من اتصالات سلكية و اللا سلكية و الإلكترونية، حيث سيتزامن هذا الأمر، مع اغتيال المرشد خامنئي و ثلاثة أفراد ممن هم على قائمة خلافته تباعا، وهو ما سيعمل على إحداث فوضى عارمة داخل إيران، من المحتمل أن تستغلها المعارضة الإيرانية، من عرقيات الأكراد و البلوش و الآذاريين و الأحواز، لتغيير النظام، أو تقسيم إيران إلى دويلات.
2-خيار الانخراط في سلام دائم و حقيقي، مع الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل، عبر توطيد علاقات التعاون السري بينهما، مع الإبقاء على إطلاق بعض التصريحات المناوئة من طهران، والتي ستكون موجهة للاستهلاك الداخلي، في حدود المدى القريب فقط، مع السماح للنظام الإيراني باستعمال التقنية النووية المدنية، لأغراض سلمية، حيث سيمول ذلك بميزانية تتراوح مابين 20 إلى 30 مليار دولار، مع رفع اليد الأمريكية عن الأموال الإيرانية المجمدة، ستساعد النظام الإيراني في مشروع التنمية و الإزهار داخل البلاد ، والذي تعطل لسنوات طويلة، و كاد أن يؤدي لفوضى قد تقلب النظام في أكثر من مناسبة . هذا، ويشترط البيت الأبيض وفق ما تسرب، قطع إيران و الحرس الثوري، علاقتهم مع وكلائهم بالإقليم.
وفي خضم، هذه التطورات، و الأسرار المسربة عن ما يتم تداوله، في كواليس البيت الأبيض، و استخبارات البنتاجون، تم تسريب موافقة العديد من الدول العربية ، وبشكل سري غير معلن، على مشروع الشرق الأوسط الجديد، و هي تفاهمات تطال مستقبل قطاع غزة، غير أنّ “القاهرة”، ترفض نقل هذا الوضع للضفة الغربية، غير انّ ذلك ،يتماشى في مجمله من جانب آخر، و رغبة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في استئناف مسار اتفاقات أبراهام للسلام، حيث المناقشات السرية تتحدث عن احتمال انخراط المملكة العربية السعودية و سوريا في هذا المسار، وهو ما اتضح الأمر بشأنه، وإنشاء قاعدة أمريكية جديدة بالسعودية، على سواحل البحر الأحمر، والتي ستحمل إسم “أي إس أي جنكز”، إذ يتم ذلك على حساب، تخفيف الوجود العسكري الأمريكي بقطر و الإمارات العربية المتحدة، وهو تحرك جديد من البنتاجون، يهدف للاقتراب من الخطوط الخلفية، للحدود القريبة من جنوب إسرائيل الكبرى،وذلك لتأمين رسم هذه الخارطة، درءا لاحتمالات و تطورات عسكرية، قد تصدر مستقبلا عن الجيش المصري، وقطعه العسكرية، و الذي اتضحت نواياه بغلق الطريق أمام الجيش الإسرائيلي، انطلاقا من الحدود الطويلة بين إثيوبيا و إريتريا، وسط منتصف الحدود الجنوبية المتواخاة لإسرائيل الكبرى، التي ستصل للصومال.
إلى ذلك، فإن وجود تركيا كلاعب إقليمي أساسي بالشرق الأوسط، هو ما يتمثل في النقلات الإستراتيجية، التي تخوضها أنقرة، بدء من الملف الأوكراني، عبر عضويتها في “الناتو”، مرورا لشرق المتوسط، وشعورها بالخطر الروسي بعد احتلال “الكريملين”لشبه جزيرة للقرم ، و المحاولات الجارية للجيش الروسي لاختبار إمكانية التقدم خطوات باتجاه ” أديسا”، هو ما يدفع بالجيش التركي للانخراط في المعادلات التي يقترحها ” البنتاجون”، انطلاقا من إقليم الشرق الأوسط ، وهو ما يضمن للأتراك صد الخطر الروسي، الذي قد يطال البحر الأسود و البوسفور و الدندانيل.
إلى ذلك، إن تخلي موسكو و بجين، عن طهران أثناء الضربات العسكرية الإسرائيلية و الأمريكية، هو ما سيشعل التنافس بين طهران و أنقرة، حول خدمة مصالح البنتاجون، عبر إدارتهما للإسلام السياسي، بعد ما تم إخراجه من الشرق الأوسط، و المحاولات الجارية لنقله إلى حدود روسيا و الصين، على المدى القريب، وهو ما سيساعد في المواجهة العسكرية الأمريكية، ضد روسيا أو الصين.
من جانب آخر، فإن المملكة العربية السعودية، ستؤهل لإدارة الموقف العربي، لمدة 50 سنة القادمة، وهو ما سيتخلله نقلها إلى مملكة كبرى، عبر نظام فيدرالي تترأسه الرياض، مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويمنح أفاقا أوسع لطريق التجارة الجديد، الذي يجمع بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل و الهند و أوروبا، وهو خط تجارة دولي، قد يتمدد نحو الأطلسي عبر المملكة المغربية، من بوابة غرب المتوسط و المحيط، وهو ما سيشدد الخناق على القاهرة ، ويقلل من أهمية قناة السويس، إزاء الغموض الذي تمارسه المخابرات الحربية المصرية، و هو ما ينذر بصراع إسرائيلي-مصري، إن لم ترضخ “القاهرة” للرؤية والإستراتيجية، التي رسمتها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ” أمان”، والتي تشمل الإقليم برمته.
صحافي مغربي
باحث في العلاقات الدولية