أزلو محمد يكتب: داء السل والحليب غير المعقم

في ظل الضجة الإعلامية التي اجتاحت الرأي العام مؤخرًا حول احتمالية انتقال داء السل عبر الحليب ومشتقاته غير المعقمة، خاصة تلك التي تُباع على قارعة الطرق وفي الأسواق الشعبية التي تفتقر إلى شروط السلامة الصحية، يجد المواطن نفسه أمام معضلة تُهدد صحته وصحة أسرته. هذه القضية ليست بالجديدة، لكنها عادت لتتصدر النقاشات بعد تزايد حالات استهلاك الحليب ومشتقاته من مصادر غير موثوقة، ما استدعى تدخل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) لتوضيح الحقائق وتبديد المخاوف.
أوضح مصدر من المكتب الوطني للسلامة الصحية أن جميع منتجات الحليب الواردة من وحدات إنتاجية مرخصة تخضع لنظام صارم من المراقبة الصحية. هذا النظام يتسم بالدقة والشمولية لضمان سلامة المستهلك ومنع أي مخاطر محتملة قد تنتج عن تناول منتجات غير مطابقة للمعايير الصحية. وبالتالي، فإن الحليب ومشتقاته القادمة من هذه الوحدات المرخصة تُعد آمنة وخالية من أي تهديد يمس صحة الإنسان.
إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في المنتجات التي تصدر عن وحدات غير مرخصة أو تُباع خارج قنوات التوزيع الرسمية. هذه المنتجات، والتي تنتشر غالبًا في الأسواق التقليدية والطرقات، قد تحمل في طياتها تهديدًا كبيرًا لصحة المستهلك، خاصة إذا كانت ناتجة عن عمليات إنتاج وتخزين لا تراعي القواعد الصحية الضرورية.
داء السل، الذي يُعتبر واحدًا من أكثر الأمراض المعدية خطورة في العالم، قد ينتقل إلى الإنسان عبر استهلاك الحليب ومشتقاته إذا كانت هذه المنتجات غير معقمة أو ملوثة ببكتيريا السل البقري (Mycobacterium bovis). هذه البكتيريا قادرة على اختراق جدران الأمان الصحي، مما يجعلها خطرًا حقيقيًا يهدد الفئات الأكثر عرضة للإصابة، مثل الأطفال وكبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة.
إن الحليب الذي يُباع في الأسواق الشعبية غالبًا ما يتم حلبه ونقله وتخزينه في ظروف غير صحية، دون أي اعتبار لدرجات الحرارة المناسبة أو التعقيم اللازم. في مثل هذه الحالات، يتحول الحليب من غذاء صحي ومصدر غني بالعناصر الغذائية إلى ناقل للأمراض الخطيرة.
دعا المكتب الوطني للسلامة الصحية جميع المواطنين إلى توخي الحذر وتجنب استهلاك منتجات الحليب التي تُباع خارج المسارات الخاضعة للمراقبة. وأكد أن التمييز بين المنتجات السليمة والمنتجات المشبوهة ليس بالأمر الصعب، إذ تُدرج الوحدات المرخصة جميع المعلومات الصحية الضرورية على عبوات منتجاتها. ومن بين هذه المعلومات رقم الترخيص الصحي الممنوح من قبل “أونسا”، مما يجعل من السهل على المستهلك تحديد المنتج الآمن.
إن هذه القضية تفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول دور الثقافة الاستهلاكية في تعزيز الوعي الصحي لدى المواطنين. فوسط زخم الحياة اليومية، قد يغفل البعض عن أهمية التأكد من مصدر المنتجات الغذائية التي يستهلكونها، ما يجعلهم عرضة للوقوع في فخ المنتجات غير الصحية. هنا يأتي دور الجهات المختصة في تعزيز التوعية من خلال حملات إعلامية مكثفة، تستهدف الأسواق التقليدية والمستهلكين على حد سواء.
كما أن المواطن يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، حيث يجب عليه أن يضع سلامته وسلامة أسرته فوق كل اعتبار، وألا ينجرف وراء الإغراءات التي تقدمها الأسعار الرخيصة على حساب الجودة.
لمواجهة هذه الأزمة الصحية المحتملة، لا بد من اتخاذ خطوات استراتيجية على مستويات عدة:
1. تشديد الرقابة الصحية: يجب تعزيز الرقابة على الأسواق التقليدية والمناطق التي تُباع فيها منتجات الحليب غير المعقمة، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.
2. تعزيز برامج التوعية: ينبغي نشر الوعي بين المواطنين من خلال وسائل الإعلام وحملات التثقيف الصحي، لتسليط الضوء على مخاطر استهلاك المنتجات غير المرخصة.
3. دعم الوحدات المرخصة: تشجيع الوحدات الإنتاجية المرخصة ودعمها للتمكن من منافسة المنتجات غير المرخصة في الأسواق.
4. إنشاء شبكة توزيع آمنة: توفير قنوات توزيع معتمدة تغطي مختلف المناطق، بما في ذلك القرى والأرياف، لضمان وصول المنتجات الصحية إلى الجميع.
إن الحفاظ على صحة الإنسان مسؤولية مشتركة بين الجهات الرسمية والمواطنين. فكما أن على الجهات المختصة السهر على تطبيق المعايير الصحية الصارمة، فإن على الأفراد التحلي بالوعي الكافي لاختيار المنتجات التي تضمن سلامتهم وسلامة أحبائهم. فالحليب، الذي يُعد رمزًا للنقاء والحياة، لا ينبغي أن يكون يومًا سببًا في المرض أو المعاناة. لنجعل من وعينا الغذائي درعًا يحمي صحتنا من مخاطر تهددها في غفلة منا.