أزلو محمد يكتب: الاتحاد الأوروبي بعد البريكست”هل يواجه خطر التفكك؟”

أزلو محمد يكتب: الاتحاد الأوروبي بعد البريكست”هل يواجه خطر التفكك؟”

 

لطالما كان الاتحاد الأوروبي رمزًا للوحدة السياسية، والاقتصادية، والثقافية بين الدول الأوروبية، حيث مثّل نموذجًا فريدًا للتعاون بين دول ذات خلفيات تاريخية متباينة. ومع ذلك، فإن انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد (البريكست) في عام 2020 شكّل زلزالًا سياسيًا واقتصاديًا أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل الاتحاد. فهل يمكن أن يؤدي البريكست إلى تفكك الاتحاد الأوروبي أو إلى إعادة تشكيله؟

البريكست كان بمثابة اختبار حقيقي لتماسك الاتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من أن المملكة المتحدة كانت دائمًا عضوًا “مترددًا”، إلا أن خروجها أثار مخاوف من أن دولًا أخرى قد تحذو حذوها، خاصة تلك التي تعاني من مشاعر قومية متزايدة أو تشعر بأنها تتحمل عبئًا أكبر من غيرها داخل الاتحاد. الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية أو اختلافات سياسية مع بروكسل، مثل المجر وبولندا، غالبًا ما تُطرح كمرشحين محتملين للنظر في خيار الخروج.

ومع ذلك، أظهر الاتحاد الأوروبي تماسكًا ملحوظًا في مواجهة هذا التحدي. فقد عملت دول الاتحاد على تعزيز التعاون فيما بينها، لا سيما في مجالات مثل الاقتصاد، والتغير المناخي، والسياسة الخارجية. كما لعب الاتحاد دورًا محوريًا في التعامل مع أزمات أخرى، مثل جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، مما عزز من إدراك أهمية الوحدة الأوروبية.

رغم هذا التماسك الظاهري، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات داخلية عديدة. فالانقسامات بين دول الشمال والجنوب الأوروبي حول السياسات الاقتصادية، والخلافات بين دول الشرق والغرب بشأن سيادة القانون والهجرة، تُظهر هشاشة محتملة في الهيكل الأوروبي.

على سبيل المثال، الخلافات بين بولندا والمجر من جهة، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، حول قضايا مثل استقلال القضاء وحقوق الإنسان، أثارت تساؤلات حول قدرة الاتحاد على فرض التزام الدول الأعضاء بمبادئه الأساسية. كما أن أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا زادت من تعقيد المشهد، مع تصاعد أصوات تدعو إلى سياسات وطنية أكثر استقلالية.

إلى جانب التحديات الداخلية، يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا خارجية متزايدة. التنافس مع الصين والولايات المتحدة، والعلاقات المتوترة مع روسيا، إلى جانب التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأفريقيا، كلها عوامل تجعل من الضروري للاتحاد أن يعيد تعريف دوره كقوة عالمية.

البريكست كان بمثابة درس مهم لبروكسل. فقد أظهر أن الاتحاد بحاجة إلى تطوير آليات أكثر مرونة للتكيف مع متطلبات الدول الأعضاء، مع الحفاظ على الوحدة العامة. كما أظهرت مفاوضات ما بعد البريكست أهمية تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي بين الدول الأعضاء لتجنب سيناريوهات مماثلة.

على الرغم من كل التحديات، لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يواجه خطر التفكك في المستقبل القريب. فالدروس المستفادة من البريكست، بالإضافة إلى الأزمات المشتركة التي واجهتها أوروبا، عززت من الإدراك الجماعي بأهمية الوحدة. ومع ذلك، فإن بقاء الاتحاد قويًا يعتمد على قدرته على التكيف مع التغيرات، والاستماع إلى تطلعات دوله الأعضاء ومواطنيه.

البريكست لم يكن نهاية الاتحاد الأوروبي، بل بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص. ورغم المخاوف من خطر التفكك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسير نحو تعزيز وحدته من خلال مواجهة التحديات بروح التعاون. لكن يبقى السؤال المطروح: هل يستطيع الاتحاد الاستمرار في تقديم نموذج ناجح للتكامل في عالم يعصف به الانقسامات؟ الإجابة تكمن في قدرة الاتحاد على تعزيز تماسكه الداخلي والتكيف مع عالم متغير.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *