هل يوجد شعب عربي صحراوي في جنوب المغرب؟

حقوقيا، فإنه يحق للشعوب أن تقرر مصيرها السياسي والإقتصادي والثقافي، فهذا أمر لا جدال فيه.
غير أن الأمر يجب أن يتحقق فيه عنصر الشعب بمكوناته القانونية والواقعية. أما أن تقرر مجموعة بشرية كونها تمثل شعبا أو أنها شعب دون شروط معقولة واقعية فذلك لا يعتبر من حقوق الإنسان بتاتا، بل يدخل في مجال الممارسة السياسية التي لها ما لها وعليها ماعليها وغير الخاضعة لعلم حقوق الانسان وعلم التنمية.
هل هناك” شعب ” _ ولن أقول مستقل أو غير مستقل ،شعب فقط_ في الصحراء الغربية المغربية. أو هل هناك شعب صحراوي؟ أو بالتحديد هل هناك شعب عربي صحراوي في الجنوب المغربي في الساقي الحمراء وواد الدهب؟
وذلك بالنظر إلى إسم الدولة المعلن عنها من طرف تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، “البوليزاريو” (الإسم بالحروف الأولى للاسم بالاسبانية) الحاظنة لهذا” الشعب” وهي الجمهورية العربية الصحراوية الدمقراطية.
سأتحث عن مقومات الشعب من خلال ما يلي:
وحدة اللغة
وحدة الدين
وحدة العرق
وحدة التاريخ والمصير المشترك
وحدة الثقافة والحضارة
الخصوصية الجغرافية.
لن اطالب هنا أية مجموعة بشرية للتوفر على أكثر من عنصر من العناصر المشار إليها أعلاه، بل واحدة فقط.
لأبدأ بالمعيار الأول حسب الترتيب أعلاه:
أولا : معيار اللغة
هل سكان الساقية الحمراء وواد الذهب يتكلمون لغة خاصة متميزة عن لغة المغاربة. إنهم لا يتكلمون لغة بل دارجة معروفة بإسم الحسانية، وهي دارجة خليط من الأمازيغية والعربية ولغات أوروبية. وهي دارجة كدارجة باقي المغرب مستمدة أكثر من كلمات أمازيغية صرفة محورة ومنطوقة على الإيقاع العربي وأخرى على حالها. أما التعابير فهي أمازيغية ببعض الألفاظ العربية والأمازيغية والأجنبية والمحلية. وهي لا تخرج عن نظام الدرجات المغربية سواء دارجة منطقة أكادير أو منطقة مراكش أو الراشيدية أو فاس ومكناس أو وجدة أو الرباط والنواحي أو البيضاء أو الشمال. إنهم لا يتجاوزن تلك الإختلافات التي تفرضها الجغرافيا والعادات المحلية…
وبالتالي فسكان الساقية الحمراء و واد الذهب لا يتميزون بلغة تجعلهم شعبا يختلف عن الشعب المغربي.
ثانيا : معيار الدين
لن أتعب كثيرا في هذه النقطة فالوضع الديني في المنطقة هو نفسه الوضع الديني في باقي المغرب. فالدين هو الإسلام والمذهب مالكي بشكل عام كما في جميع المغرب.
ثالثا : معيار العرق
بالبحث البسيط في أسماء القبائل بالمنطقة نجد أكثر من نصفها لازال ينطق بالأمازيغية مثل أيت لحسن. أيت موسى وعلى. أيت أوسى. أولاد تدرارين. توبالت.تجاكانت.تارقا.ايمراغن.ازرقين (جمع بنطق أمازيغي لمفرد أزرق وليس جمعا بالعربية) . مجلس أيت أربعين (هذا تنظيم تحالف قبلي يحمل “أيت”)
هذه بعض الأسماء فقط على سبيل المثال التي لا تحتاج إلى تأويل إديولوجي بإختراع يرجع ايت إلى اللغة العربية.
أما أسماء الأرض فحدث ولا حرج. بعض الأصدقاء المحامين يؤكدون نفس الظاهرة الموجودة بشمال المغرب حيث أسماء القطع الأرضية والأماكن 90٪ أمازيغية حسب مانطلع عليه في وثائق الأملاك والإراثات مما يعبر بالملموس أن سكان مناطق جبالة هم أمازيغ مستعربون كما هم زعير حسب ماقرأت ولازلت أتذكره من خلال قراءتي لكتاب جون وتربوري في المرحلة الجامعية ” الملكية والنخب السياسية بالمغرب”. لذا فسكان الصحراء الغربية المغربية هم عموما أمازيغ. ولا أعتقد أنهم بتحليل أ. دي. إن. سنجد نسبة ما فيهم من العروبية. قد نجد شيئا من الأفريقاوية ممكن.
أما الأسماء الأخرى كما يقول بعض الباحثين المؤرخين إنتساب العروسين لبنى عروس بشمال المغرب. ومجاط لإقليم البيضاء وزمور للخميسات والركيبات للأدارسة والمويسات وٱشتوكة لسوس… و مستعدون للرجوع إلى الأبحاث والدراسات التاريخية والجغرافية والأنثروبولوجية أن تطلب الأمر ذلك. فَمقالتي هذه تهدف إلى وضع المنطقة على محك أحد الحقوق الأساسية التي تتصدر أهم المواثيق الولية لحقوق الإنسان وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها. بمعنى مقاربتي حقوقية وليست لا تاريخية ولا جغرافية ولا سياسية ولا أنثروبولوجية..
ثم لا يمكن تخيل وجود شعب عربي في أرض أمازيغية بأقصى بلاد الأمازيغ غربا بجوار المحيط الهادي كانت بها حضارة وسلطة سياسية أمازيغية. المرجو العودة إلى ماقبل الميلاد من تاريخ الطوارق مثلا. هناك كتاب ظخم إسمه الطوارق. سأعود ادإليه من جديد.
فضلا عن المملكات والإمبراطوريات الأمازيغية التي حكمت من الغرب إلى الشرق لمدة طويلة لم يكن للغة العربية والعرق العربي وجود. فوجودهما كمجموعة بشرية تعي ذاتها كأمة لم يتحقق إلا مع معاوية. والعربية إلا مع عبد المالك بن مروان. ( مستعد لهذا النقاش).
سكان الصحراء عموما أمازيغ مع نفحة إفريقية( يعني السود).
وبذلك لا يختلفون عن باقي المغاربة. فالبحث في المجموعات البشرية بكل أنحاء المغرب في كيفية إضطهادهم وتقسيمهم وتفريقهم وتعريبهم وتزوير الأنساب ينطبق على سكان الصحراء.
(سأحكي نكتة حقيقية منذ 10سنوات تقريبا مدني صديق أحد رؤساء جمعيات الشرفاء الإدارسة بشجرتي الإدريسية وأنا لا علاقة لي بهذه الشجرة).
رابعا : معيار وحدة التاريخ والمصير المشترك.
أقصد بهذا المعيار إن كانت لهذه الساكنة تاريخ منفصل عن باقي أنحاء المغرب ولديها مصير واحد مشترك بينها دون الباقي؟
هل يمكن أن نقول أن الإستعمار الإسباني واقعة تاريخية تجعل منهم شعبا عربيا صحراويا وأنهم عاشوا مصيرا خاصا. فنفسه الإستعمار الإسباني إحتل شمال المغرب. فأين التميز إذن. بل إن شمال المغرب عرف مقاومة متميزة أفضت إلى إعلان جمهورية الريف. ومع ذلك ليست هناك أدنى مؤشر ليكون سكان الشمال المغربي شعبا خاصا ( أمازيغيا ريفيا).
مقاومة الاستعمار في المغرب لم تكن تميز بين الإستعمار الإسباني أو الفرنسي. كانت مقاومة للمستعمر. وكانت هذه المقاومة لا تعرف حدا بين مناطق إحتلال إسبانيا ولا مناطق إحتلال فرنسا. فالهيبة في الصحراء وصل إلى مراكش بجيوشه في مقاومة الإحتلال الأجنبي. وجزء من جيش التحرير الذي كان في المناطق الجنوبية التابعة لفرنسا كانت تصل إلى مناطق الإحتلال الإسباني.
خامسا : وحدة الثقافة والحضارة:
هل سكان الصحراء “هؤلاء العرب” لهم ثقافة وحضارة خاصة من خلال البناء والآثار القديمة ونمط الحياة و اللباس والزينة والعادات والتقاليد التي تختلف عن باقي مناطق الأمازيغ في الصحراء الشرقية وشمال الساقية الحمراء و واد الذهب. أو حتى باقي قبائل المغرب الأمازيغية أو حتى التي تعتقد بأنها عربية؟
لقد زرت الكثير من مناطق الصحراء الغربية المغربية ومناطق الصحراء الشرقية المغربية ووجدت نفس اللباس ونمط العيش مع زيادة الصحراء الشرقية بالتميز في البناء. ووجدت كيف يخترق أمازيغ سوس هذه المناطق، فأيت باعمران قبيلة كبيرة تمارس سطوتها الثقافية و الحضارية الأمازيغية بشكل قوي.
التميز الذي تحضى به الساكنة هو ما تمنحه الحياة القاسية والمتباعدة بالضرورة. الثقافة الحسانية رائعة في لكنتها في شعرها وإيقاعاتها لكن في حدود التميز والإختلاف الذي يتحقق بين الموسيقى السوسية وموسيقى أمازيغ الأطلس وموسيقى أمازيغية الريف وبين آلة أوتار والكامنجة بالاطلس والة الرباب السوسية التي لا تجد مكانا لها عند أمازيغ الأطلس.
إن ثقافة المنطقة هي جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية المتنوعة والغنية والمتفاعلة.
وأنا هنا شاهد عيان ومتفاعل مع ثقافات المغاربة على جميع المستويات.
سادسا : معيار الخصوصية الجغرافية
وأقصد هنا إن كان سكان الساقية الحمراء و واد الذهب يعيشون في جغرافية خاصة تجعلهم لا يمكن إلا أن يعيشوا كشعب عربي صحراوي.
فهل هم يعيشون في جزيزة منفصلة عن المغرب بما يستتبع هذه الجغرافيا من تبعات.
هل تلك الصحراء لا تشبه أية صحراء أخرى في المغرب؟ بما يستتبع نمط العيش الصحراوي من تبعات ثقافية ومجتمعية وتدبيرية وسياسية؟
لا إختلاف ولا تميز جغرافي عن باقي مناطق المغرب الصحراوية.
هل هناك طقس جوي يسمح بتكوين شعب عربي صحراوي.
أم أن القذافي رحمه الله بإديولوجيته القومية العروبية الإسلامية لأنه كان يكره سماع إسم الأمازيغ أثر على رفاقنا لقبول عبارة الجمهورية العربية الصحراوية ضدا على الأرض التي تتكلم أمازيغي وعلى الناس الذين يشمون هواء أمازيغيا ولحمهم ودمهم أمازيغيا وكأنه يتخيل العرب في صحرائهم بالجزيرة العربية.
وأخيرا :
لا أفهم كيف لهذه المجموعة السياسية المؤسسة للتنظيم السياسي المؤسس للدولة العربية الصحراوية الديمقراطية أن يسموا تنظيمهم المختصر البوليساريو بالإسبانية. بحيث أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب مترجمة إلى الإسبانية وبجمع كل حرفين أولين من كل كلمة تقريبا تعطينا polisario.
لا أعرف لماذا هذه المجموعة العربية ومعها القذافي العربي لم يختاروا تسمية تجارية لهذه السلعة السياسية إسما عربيا صحراويا. وفضلوه إسبانيا.
لا أفهم هذه الوقاحة السياسية التي تستحق عليها البوليساريو إعادة التربية السياسية والأخلاق السياسية.
قد نتفهم الجمهورية الصحراوية الدمقراطية وحتى الإسلامية. لكن أن تغامر بعبارة العربية في أرض أمازيغية وشعب أمازيغي مثقل بحضارة وغلة في التاريخ فهي وقاحة وسياسة غير إحترافية ومهنية بل لعب هواة ولعب عيال مبتدئين و “رشوق” كما يقول سكان الشمال. ويريدون تأسيس دولة عربية في المغرب الامازيغي. كالضيف الذي إستضفته في منزلك ثم إدعى ملكه له. وقاحة ما بعدها وقاحة.
تاريخ المغرب بأكمله لم يسبق لأي أسرة حكمت المغرب أن سمت المغرب بالدولة العربية أو الإسلامية.
هل الأمازيغ سيسكتون على هذا التزوير الجديد والإحتيال والإحتلال الجديد؟.
أما قصة الدمقراطية العربية الصحراوية فلا مانع لدى بأن تكون أول ديمقراطية عربية صحراوية في العالم.هذه الجملة أعلم بأن لا علاقة لها بهدف هذه المقالة لأنها جملة ساخرة خارج السياق، ذلك أن حكام هذه الدولة الوهمية المنفية يريدون تكوين دولة ليس بالدمقراطية بل بالحرب العسكرية المعتمدة على المرتزقة وليس كذلك بالثورة الشعبية. التسمية في غير محلها حتى وإن قصدوا إقامة الدمقراطية بعد التمكن.
سكان الصحراء الغربية المغربية إذن ليسوا شعبا عربيا صحراويا إنهم مواطنون مغاربة وكفى.
وأكن الإحترام للعرب كما للأمازيغ في حدود المعقول والعقلاني والثابت والمشترك وفق مبادئ حقوق الإنسان.
والبوليساريو تنظيم عسكري معلق في يد النظام الجزائري أساسا وورقة للإستعمال بالنسبة لبعض الدول كذلك التي تتشابك مصالحها أكثر مع الجزائر.
ويجب أن ينمحي بشكل أو بآخر وإنهاء هذه القضية حتى لا تكون حجة أيضا للمغرب لتعطيل المضي نحو الدمقراطية وحقوق الانسان.
و الأمم المتحدة عليها الحسم بقوة حقوق الانسان : السلم والأمن العالميين والإستقرار والتنمية دون إبتزاز المغرب ونهب ثروته في لعبة التضامن والمساندة.
في المفرب مغاربة..ماعدا ذلك سياسة ضيقة.