نهضة بركان.. كمان وكمان

لم يعد الفريق البرتقالي مجرد ظاهرة عابرة في كرة القدم المغربية، بل بات نموذجا للاستمرارية والنجاح. من ناد يصارع لإثبات ذاته إلى قوة كروية لا يستهان بها، يواصل نهضة بركان كتابة فصول جديدة من المجد، وهذه المرة عبر تحقيق لقب البطولة الاحترافية لأول مرة في تاريخه. تتويج يؤكد أن الإنجازات لا تأتي صدفة، بل هي ثمرة رؤية استراتيجية، تخطيط محكم، وعمل متواصل جعل الفريق البركاني رقما صعبا في معادلة الكرة المغربية.
في الموسم الحالي، أثبت نهضة بركان جدارته وتفوقه في الدوري المغربي بشكل لافت، حيث حسم لقب البطولة الاحترافية لأول مرة في تاريخه بعد تعادله مع اتحاد تواركة 1-1 في الجولة 25. هذا التعادل مكن الفريق البرتقالي من ضمان اللقب قبل خمس جولات من نهاية الدوري، ليحقق رقما قياسيا بحصوله على 60 نقطة، بفارق 15 نقطة عن أقرب منافسيه. إن هذا التفوق الواضح لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة عمل طويل ومستمر وجهود متكاملة على جميع الأصعدة.
تحت قيادة المدرب التونسي معين الشعباني، الذي أضاف للفريق لمسة تكتيكية واضحة، نجح نهضة بركان في أن يكون قوة لا يستهان بها في الدوري. فهو لم يحقق هذا النجاح فقط من خلال الانتصارات المتتالية، بل من خلال استقرار فني وتكامل كبير بين اللاعبين. الفريق سجل 18 انتصارا، وحقق 6 تعادلات، بينما تكبد خسارة واحدة فقط، ما يعكس استقرارا كبيرا في الأداء طوال الموسم.
وإلى جانب هذه الأرقام المميزة، برهن الفريق على توازن هائل بين الدفاع والهجوم، حيث سجل أكثر من 40 هدفا واستقبل 10 أهداف فقط، مما يعكس قوة دفاعه وصلابة هجومه، ويجعله واحدا من أكثر الفرق فعالية في البطولة. كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من نهضة بركان نموذجا للاستمرارية والنجاح، ويدل على أن الفريق في طريقه للمزيد من الإنجازات في المستقبل.
لم يكن نجاح نهضة بركان وليد الصدفة، بل جاء نتيجة رؤية استراتيجية بعيدة المدى. شهد النادي، خاصة في العقد الأخير، تحولًا جذريا في بنيته الإدارية والفنية، مما ساهم في بناء فريق قوي قادر على المنافسة. ركزت الإدارة البركانية على تطوير البنية التحتية، بما في ذلك تحديث ملعب الفريق وإنشاء أكاديمية تُعنى بتكوين المواهب الشابة. من الناحية الفنية، اعتمد الفريق على مدربين ذوي كفاءة عالية، لعبوا دورا محوريا في تحقيق الإنجازات. كما أن سياسة التعاقدات التي انتهجتها إدارة النادي، والتي تركز على استقطاب لاعبين مميزين محليا وقاريا، ساهمت في تعزيز قوة الفريق. ما يميز نهضة بركان عن بقية الأندية هو التزامه بالتخطيط المدروس والعمل الجماعي، سواء على مستوى الإدارة أو اللاعبين، ليصبح نموذجا يحتذى به في كيفية بناء فريق قادر على منافسة الكبار، دون التخلي عن طموحاته أو هويته. كما أن الفريق يعرف نموذجا متميزا في التسيير الإداري والمالي، حيث تمكنت الإدارة من تنظيم الأمور المالية بشكل فعال، مما ساعد على توفير استقرار طويل الأمد للفريق.
منذ صعود الفريق إلى القسم الأول سنة 2012، لم يكن مشواره مجرد عبور عابر، بل جاء بشكل تدريجي ومدروس. بدأ الفريق بتحقيق نجاحات محلية، حيث توج بكأس العرش سنة 2018، وهو اللقب الذي منحه فرصة المشاركة في كأس الكونفدرالية الإفريقية، التي نجح في الفوز بها مرتين وخسرها مرتين، كما حقق كأس السوبر الإفريقي مرة واحدة، بالإضافة إلى تتويجه بكأس العرش مجددا في 2021 و2022. هذا المسار التصاعدي بلغ ذروته هذا الموسم بتتويجه بالبطولة الوطنية، ليضمن بذلك مقعدا في دوري أبطال إفريقيا الموسم المقبل، ويؤكد أن مسيرته في القمة لم تكن مجرد صدفة بل نتيجة جهد وعمل مستمر.
لا شك أن الفوز على الفرق الكبرى في ميدانها يعتبر من أكبر الإنجازات التي يمكن أن يحققها أي فريق، وهو ما نجح فيه نهضة بركان هذا الموسم. حيث فاز الفريق في مباريات قوية ضد الرجاء والوداد في الدار البيضاء، كما حقق أيضا فوزا كبيرا على الجيش الملكي، في انتصار آخر أظهر قدرة الفريق البركاني على منافسة أكبر الأندية المغربية بشكل قوي وجاد. هذا إلى جانب نجاحه في التغلب على كافة مطارديه في الدوري، ما يبرز قوة الفريق وإصراره على تحقيق النجاح، هذه الانتصارات لم تكن مجرد نتائج عابرة، بل كانت دليلا واضحا على أن الفريق لا يخشى اللعب تحت الضغط، وأنه قادر على مقارعة الفرق الكبرى في أقوى الظروف.
رغم أن الموسم الحالي شهد تألق نهضة بركان، إلا أنه لم يكن خاليا من التحديات. فقد استغل الفريق البركاني تراجع مستوى العديد من الفرق الكبرى التي عانت من مشاكل مالية وديون أثرت على استقرارها، بالإضافة إلى فرق أخرى واجهت اضطرابات فنية وصلت إلى تغيير المدربين أكثر من مرة خلال نفس الموسم. كما تميز الموسم بجدل واسع حول القرارات التحكيمية التي أثارت الكثير من النقاش، إلى جانب إغلاق العديد من الملاعب بسبب الإصلاحات استعدادا لاستضافة كأس إفريقيا وكأس العالم، وهو ما أثر على ظروف بعض المباريات، إضافة إلى منع تنقل الجماهير وإقامة مواجهات دون جمهور، ما جعل الكثيرين يصفون الموسم الحالي بأنه أحد أسوأ النسخ من حيث الأجواء الفنية وكذا التنظيمية.
ورغم كل هذه الظروف، فإن نهضة بركان استحق التتويج بلقب البطولة عن جدارة واستحقاق، بعدما فرض نفسه كأفضل فريق على مدار الموسم، محققا انتصارات حاسمة داخل وخارج ملعبه، ومتجاوزا كل العقبات بثبات. إن ما قدمه الفريق البرتقالي هذا الموسم يؤكد أن النجاح لا يعتمد فقط على أسماء اللاعبين، بل على التخطيط السليم، الاستقرار الإداري، والعمل الجماعي، وهي العوامل التي جعلت من نهضة بركان نموذجًا للفرق الطموحة الساعية للمجد.