من يرفع العدالة إذا ثقل عليها حاملها؟

عندما تولى عبد اللطيف وهبي حقيبة وزارة العدل، ظن كثيرون أن صفحة جديدة قد تُفتح في مسار العدالة ببلادنا. فالرجل القادم من صفوف المعارضة، بخطابه الجريء ولسانه السليط، كان يوحي بأنه يحمل مشروعًا إصلاحيًا قد يضع المؤسسة على سكة الشفافية والنزاهة. لكن سرعان ما بدأت ملامح الخيبة تتسلل إلى هذا التفاؤل، بعدما اصطدمت الشعارات بواقع السلطة ومتطلباتها.
أولى الإشارات جاءت من مشروع القانون الجنائي، حين تم التخلي عن تجريم الإثراء غير المشروع، في خطوة أثارت استغراب من كانوا ينتظرون من الوزير أن يكون رأس حربة في معركة تخليق الحياة العامة. وبررت الوزارة القرار بحجج سياسية، لكن الانطباع السائد كان أن وهبي اختار الطريق الأسهل، وفضّل تجنّب معارك مع مراكز نفوذ، على حساب مبدأ طالما دافع عنه وهو محاربة الفساد.
هذا التراجع لم يكن معزولًا، بل رافقته توترات مع المجتمع المدني ومؤسسات دستورية أبدت ملاحظات على مشاريع قوانين تم إعدادها في كواليس مغلقة. بدل أن يكون الحوار عنوانًا لهذه المرحلة، بدا وكأن صوت النقد يُقابل بالضيق، لا بالإنصات. حتى علاقة الوزير بالإعلام، الذي كان منبرًا لصعوده السياسي، شهدت تحوّلًا لافتًا، إذ أصبح يضيق بالأسئلة، ويتعامل مع الكلمة الحرة كخصم لا كشريك في البناء الديمقراطي.
أما علاقته بهيئات المحامين، فهي قصة أخرى من التوتر والمشادّات، ما أضعف جسور الثقة داخل قطاع حيوي يُفترض أن يكون حليفًا طبيعيًا لأي إصلاح في العدالة. كثيرون رأوا في سلوك الوزير ميلًا إلى الهيمنة بدل التوافق، وإصرارًا على فرض الرؤية بدل التشارك.
العدالة، كما نعلم، ليست فقط نصوصًا تُكتب، بل منظومة ثقة تتطلب الإصغاء قبل القرار، والانفتاح قبل التنفيذ. وهبي، في تجربته الوزارية، ربما قدم دروسًا كثيرة… أهمها أن من يرفع راية الإصلاح عليه أن يبقى وفيًا لها، حتى عندما يصبح في موقع السلطة. فالتحول من المعارضة إلى المسؤولية ليس مجرد انتقال في المواقع، بل اختبار حقيقي للوفاء، للتواضع، وللقدرة على الإصغاء.
في النهاية، قد يغادر عبد اللطيف وهبي الوزارة، لكن الأسئلة ستبقى: هل خسرنا إصلاحيًا واعدًا؟ أم اكتشفنا أن الجرأة في الخطاب لا تعني بالضرورة الجرأة في القرار؟
ما نعلمه اليوم هو أن العدالة ما زالت تنتظر من يحملها بحق، لا من يزينها بالكلام