مختل اليوم… قاتل الغد؟ حين تُهمّش الصحة النفسية ويتحول الوطن إلى قنبلة مؤجلة

كم من مختل عقلي يسرح ويمرح بيننا دون مراقبة؟
كم من بيدوفيل ينتظر فريسته في زوايا الحدائق والطرقات؟
كم من قاتل محتمل يُراكم العنف والعدوان داخل أزقة المدن دون أن ينتبه إليه أحد؟
وهل نحتاج إلى ضحية جديدة، كل مرة، لنتذكّر أن هناك خللاً بنيويًا في طريقة تعامل الدولة مع المرض النفسي؟
حادثة بن أحمد ليست معزولة. إنها مجرد نقطة في سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبها أشخاص ذوو اختلالات عقلية معروفة، سبق التحذير من سلوكهم، وتكررت شكاوى الساكنة ضدهم. ورغم ذلك، فإن السلطات المحلية – في كثير من الحالات – تفضل الصمت، وربما تصلي ألا تقع الكارثة أثناء فترة مسؤوليتها.
هل يعقل أن يُترك شخص معروف بعدوانيته ليتصرف في مرافق عمومية مثل دار الوضوء، دون حسيب أو رقيب؟
هل يُعقل أن تنتشر فيديوهات اعتداءاته المتكررة على مواقع التواصل دون أن تتحرك المقاطعة أو الباشوية أو الجهات الأمنية؟
أين المندوبية الجهوية للصحة النفسية؟ أين الداخلية؟ أين الدولة؟
الاختلال هنا ليس فقط في عقل المعتدي، بل في منطق التسيير.
نحن أمام سياسة وقائية منعدمة، وأمام فراغ تشريعي أو تهاون في تطبيق القانون. لا توجد خريطة وطنية لإحصاء المختلين العقليين الخطيرين، ولا بروتوكول واضح للتعامل معهم، ولا إرادة سياسية لتوسيع القدرة الاستيعابية للمستشفيات النفسية.
إنها أزمة مركّبة:
أزمة وقاية
أزمة تكوين أطر مختصة
أزمة تشخيص مبكر
أزمة مؤسسات رعاية وإيواء
وأزمة وعي مجتمعي يرى المختل كمهرّج أو “مسلي” لا كمريض يحتاج الرعاية والضبط.
فما الذي ننتظره؟
أن نقرأ غدًا عن جريمة جديدة في حيّ جديد، ويُقال لنا مجددًا: “كان معروفًا بميولاته العدوانية”؟
الوطن ليس حلبة لتجريب الفوضى. لا أحد آمن ما دامت الشوارع مفتوحة لمن يشكلون خطرًا على أرواحنا.
نحن لا نطلب قمعًا، بل سياسة عقلانية صارمة تنقذ المختل من نفسه، وتحمي المجتمع من جنونه.
فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالوقاية… والوقاية تبدأ من الاعتراف بوجود الخطر.