عيد العرش.. ربع قرن من الالتزام الملكي في المجال الإنساني والاجتماعي

عيد العرش.. ربع قرن من الالتزام الملكي في المجال الإنساني والاجتماعي

عبدالإله طلوع: دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

يتذكر الكثير من المغاربة جيدا ذلك اليوم الذي أنصتوا فيه بحماس وجدية وبكثير من الاهتمام، لأول خطاب يلقيه الملك الجديد ، لم يكن مضى سوى أسبوع على وفاة الحسن الثاني، كانت المشاعر مختلطة بين الحزن لفقدان رمز وملك بقيمة وقامة الحسن الثاني، والفرح بقدوم ملك شاب، عزيز على المغاربة، حتى محمد السادس نفسه بدأ الخطاب بالقول: ” يخالجنا في هذه اللحظة التاريخية شعور مزيج من السعادة بالتوجه إليك في أول خطاب لنا نلقيه عليك، ومن الألم لفقد والدنا الملهم، في وقت كنا في أمس الحاجة إلى المزيد من عطائه”.
ومنذ ذلك الحين سنة ( 1999)، والملك محمد السادس يؤكد :” نحن بحول الله، مصممون العزم على مواصلة مسيرة التطور والنماء لصالحك شعبي العزيز”.
وكما عاهد المغاربة، على الالتزام وإعطاء العناية الكريمة لجميع المواطنين والحرص عليها، هذا الالتزام سيلمسه الشعب على مدى 24 سنة الماضية، من خلال الأعمال والمبادرات التي تضمن للمواطن بجميع فئاته الحق في حياة كريمة، وبالتالي إشراكهم في مسيرة النماء والبناء، التي تشهدها بلادنا.
واذا كانت هذه المبادرات قد حظيت بإشادة دولية ووطنية، فإن الأمر سيان لأوراش كبرى، لا تقل أهمية، من بينها مشروع تعميم الحماية الاجتماعية من أجل تمكين كافة المغاربة من الولوج إلى التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد من بين الساكنة النشيطة، وتعميم التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل، فضلا عن تفعيل السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، وهي مشاريع تعتبر من ابرز آليات التنفيذ الناجع والهادف لمشاريع الدعم الاجتماعي.

الحماية الاجتماعية… ورش ملكي

يعد هذا المشروع المجتمعي إحدى الركائز ودعامات نموذج الدولة الاجتماعية، الذي باتت معالمه تتشكل منذ أزمة كورونا، ويروم إرساء وتكريس وتقوية منظومة تضامنية إجبارية تحقق الحماية للجميع وتيسر ولوجهم إلى الخدمات الاجتماعية والصحية على نحو متكافئ وعادل، وتضمن رعاية صحية مستدامة للجميع ضد الأمراض والمخاطر الصحية بمختلف أنواعها، كما يروم الورش استدراك التأخر الهيكلي في هذا المجال، لاسيما الجانب المتعلق بالبنية الاستشفائية والأطر الصحية وتطوير قدرات إنتاج الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية الأساسية، وذلك استنادا إلى مضامين القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية.
وقد تسارعت وتيرة تفعيل المحاور الأساسية لهذا الورش على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية الإجبارية، أو AMO تضامن، أو السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، فضلا عن تعزيز البنيات التحتية الاستشفائية بعدة أقطاب طبية جهوية.
واستكمالا لورش الحماية الاجتماعية، شدد جلالة الملك: ” ننتظر الشروع، نهاية هذا العام ، كما كان مقررا ، في منح التعويضات الاجتماعية، لفائدة الأسر المستهدفة”.
وعبّر جلالته، عن أمله في” ان يساهم هذا الدخل المباشر، في تحسين الوضع المعيشي لملايين الأسر والأطفال، الذين نحس بمعاناتهم”، كما اعتبر الملك، أن هذه الخطوة، إن شاء الله، ستشكل ركيزة أساسية في نموذجنا التنموي والاجتماعي لصيانة كرامة المواطنين في كل أبعادها.

مؤسسة محمد الخامس للتضامن… الذراع الاجتماعية لتنزيل رؤى جلالة الملك في المجال الإنساني والاجتماعي

منذ اعتلاء محمد السادس، العرش العلوي المجيد، عرفت بلادنا بروز جيل جديد من المبادرات والبرامج والاوراش الاجتماعية والإنسانية الكبرى، والرامية الى النهوض بأوضاع الإنسان وبمسلسل التنمية المندمجة والمستدامة.

الرعاية الإنسانية.. أولا

تجسيدا لرؤية الملك محمد السادس، الذي جعل من النهوض بالعنصر البشري أولوية وطنية وخيارا من الخيارات الإستراتيجية، باعتباره المحور الرئيسي البارز الذي تقوم عليه اية سياسة تنموية، استأثر العمل الاجتماعي بنصيب الأسد من المبادرات الاجتماعية القائمة على التآزر والتكافل المجتمعي.
وتشكل مؤسسة محمد الخامس للتضامن مبادرة ملكية عززت قيم المواطنة والتضامن، وتعد رافعة اجتماعية فعالة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي الناجع، سواء وطنيا أو دوليا.
فمنذ احداثها سنة 1999، اخذت المؤسسة على عاتقها مهمة النهوض بثقافة التضامن وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وفق مقاربة شمولية، على مستوى مختلف جهات المملكة، بحيث أصبحت تجربة رائدة ونموذجية في مجال التصدي للهشاشة بكل أنواعها.
وقد مكنت هذه الإستراتيجية المؤسسة من إطلاق مشاريع وبرامج تستجيب لحاجيات الفئة المستهدفة، وذلك في إطار شراكات مع القطاعات الحكومية والمجتمع المدني…، سواء تعلق الأمر بتيسير عودة المواطنين المغاربة بالخارج إلى بلادهم، ( عملية مرحبا). أو تقديم مساعدات إنسانية في مجالات متعددة.
وقد أنجزت المؤسسة عدة مشاريع تروم توفير الرعاية الصحية الأساسية ومراكز القرب الطبية وعلاجات طبية متكاملة في المناطق الأكثر هشاشة، وتخفيف العبء عل المستشفيات، وتيسير الولوج المباشر إلى الخدمات الطبية لفائدة الساكنة الأكثر عوزا، بالإضافة الى ادماج مقاربة اجتماعية تكميلية ضمن آليات مصاحبة المرضى والمستفيدين، ما يعزز بشكل ملموس خريطة عرض العلاجات في مختلف جهات المملكة.
وعلى صعيد آخر دأبت المؤسسة خلال شهر رمضان المبارك، على تنظيم عملية وطنية لتقديم المساعدة والدعم للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة استفاد منها حوالي 5 ملايين شخص. بالإضافة الى العملية الوطنية للدعم الغذائي والتي منذ انطلاقها سنة 1998، عُبِّأ لها مبلغ مالي مهم قارب ملياري الدرهم.

دينامية جديدة… للعمل الاجتماعي

أحدثت مؤسسة محمد الخامس للتضامن دينامية جديدة للعمل الاجتماعي والإنساني عبر آلية تضامنية مؤسساتية تحقق أعلى درجات الفعالية في تقديم خدمات القرب، من أجل تعميق روابط التواصل الميداني الآني القائم على تشبيك علاقات مباشرة مع الساكنة المستهدفة.
هذه المبادرات الاجتماعية والإنسانية للمؤسسة تتسم بسرعة التفاعل التضامني، والتجاوب مع الحالات والوقائع المستعجلة ميدانيا، والتركيز بشكل استباقي على أهمية ولوج الشباب ا التأهيل المهني، فضلا عن خلق نماذج تشجع على خلق قيمة مضافة للفرد والمجتمع.

مؤسسة محمد الخامس للتضامن…آلية ترسيخ قيم التآزر والتكافل

إن مؤسسة محمد الخامس للتضامن ستظل تجربة رائدة ونموذجية، بفعل أدوارها الفعالة والتي أحدثت نقلة نوعية كبرى في العمل التضامني بالمغرب، بل واضحت تتصدر المشهد العربي والقاري، باعتبارها تقليدا راسخا في منهج وسياسة المملكة التضامنية وقاطرة وصل متعددة المنافذ.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *