سطات التي أكلها الصمت: نداء من مدينة مخنوقة إلى عامل جديد يحمل مفاتيح الأمل

يا سيادة العامل،
حين وطئت قدماك تراب هذه المدينة، كانت سطات تقف على الرصيف، كعجوز أنهكها الانتظار، تلوّح بيد من شظايا الأمل، وتمدّ الأخرى نحو منقذ تأخّر كثيرًا.
السطات لم تعد كما كانت؛ لم تعد تلك المدينة التي كانت عنوانًا لهيبة الشاوية، ولا تلك التي كانت جامعتها قبلة للنخبة، ولا التي كانت “الدار الكبيرة” التي يحتكم إليها المجال.
السطات اليوم، مدينة تآكلت من الداخل، صارت عاصمة للتكرار، ومقبرة للمشاريع المؤجلة.
لا تخطئوا النظر: فالأرصفة المبلّطة حديثًا، والطلاء الذي يغطي بعض الجدران، ليس تنمية، بل مكياج هشّ على وجه مدينة مريضة.
السطات اليوم، يا سيدي، صارت تعيش على هامش السياسة، وهامش الاقتصاد، وهامش الحضور في خريطة القرار.
كيف يمكن تفسير أن مدينة بهذا الامتداد السكاني والموقع الاستراتيجي لا تتوفر على مستشفى جامعي؟ أو على منطقة صناعية تستقطب الاستثمارات؟ كيف يمكن أن تظل الجامعة بدون رؤية بحثية مندمجة في محيطها؟ كيف نفسر أن حافلات النقل المهترئة لا تزال تُساق كأنها عربات من زمن الحرب؟ وأن الباعة المتجولين أكثر تنظيمًا من المؤسسات المكلفة بتدبير الشأن العام؟
يا سيدي العامل،
تحت قدميك ترقد مشاريع جُمّدت عمدًا، وصفقات شابها الغموض، وأراضٍ فُرّط فيها بعبث غير مفهوم، وملفات من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تئنّ تحت وطأة المحاباة والارتجال. هذه مدينة لا ينقصها الناس الطيبون، ولكن ينقصها المسؤول الجريء، والقرار الشجاع.
لسنا بحاجة إلى عامل يراقب الورشات بالكاميرا، بل إلى مسؤول يقود التغيير بتصور وجرأة، لا نحتاج إلى لجان تقنية باردة، بل إلى عقول تعرف أن التنمية ليست معادلة مالية، بل مشروع حياة.
في كل حي من أحياء سطات، هناك صرخة مكتومة: من حي ميمونة إلى الخير، من سيدي عبد الكريم إلى السطاتيين العائدين من الهامش، الكل يسأل: لماذا تحوّلنا إلى مدينة العبور بدل أن نكون مدينة القرار؟ لماذا “التنمية” تمرّ بجانبنا كما تمرّ القطارات، لا تتوقف، لا تلتفت، لا تعتذر؟
إن ما تعيشه سطات ليس فقط إهمالًا، بل هو شكل من أشكال “الحكرة التنموية”، حين يشعر المواطن أن مدينته لا تستحق الإنصات، ولا تحظى بالحق في الطموح، فإننا أمام أزمة رمزية تُعيد إنتاج اللاعدالة، وتُهدد الانتماء نفسه.
يا سيدي العامل،
لا نريد وعودًا. نريد رؤية. لا نريد احتفالات الذكرى والقصّ الشريطي، بل نريد هندسة جديدة تُخرج المدينة من عنق الزجاجة. أنت اليوم، في لحظة نادرة، تملك فرصة لكتابة صفحة جديدة… فإما أن تختار أن تكون عاملًا عابرًا، أو أن تصير اسماً يُذكر كلما نطق السطاتيون كلمة “النهضة”.
هذه ليست كلمات معارضة، بل نداء غيور.
وهذه ليست تهمة، بل شهادة أمام التاريخ.
فهل ستسمع الصرخة؟