حين تتحول الجامعة إلى مسرح استغلال.. الجنس مقابل النقط

في كل مرة تنفجر فيها قضية جديدة من قضايا “الجنس مقابل النقط”، نغضب، نصدم، ثم نصمت… إلى أن تنفجر أخرى. من تطوان إلى سطات، ومن وجدة إلى الرباط، تتكرر الحكاية ذاتها: أستاذ يستغل سلطته، وطالبة تقع ضحية ميزان قوة مختل، وجامعة تكتفي بالتبرؤ أو الصمت المؤقت، وكأنها لم تكن تعلم.
قضية جامعة الحسن الأول بسطات كانت من أبرز المحطات التي جعلت الرأي العام يصحو على حجم الظاهرة، لا بسبب خصوصية الواقعة فقط، بل لأن عدد المتورطين وتفاصيل الوقائع كشفت عن شبكة سلوكيات غير أخلاقية تمتد وتتكرس في صمت مطبق، بل وبأشكال من التواطؤ المؤسسي أو الغض الطرف. وليس غريباً أن تأخذ قضايا مثل هذه طابعاً ممنهجاً، حين تغيب آليات الردع، وتضعف ثقافة التبليغ، ويصبح صوت الضحايا أضعف من أن يخترق جدران الصمت السميك.
ما يجمع بين هذه الحالات – على اختلاف المدن والجامعات – ليس فقط نوع الجريمة، بل طبيعة السياق الذي يحتضنها: فضاء أكاديمي يشكو من ضعف الرقابة، وبنية سلطوية تجعل الأستاذ الجامعي فوق المساءلة، وطلبة يشعرون أن مصيرهم الأكاديمي قد يتحطم إذا تكلموا. وهذا ما يجعل من الظاهرة مشكلة بنيوية، لا مجرد تصرفات معزولة.
حين يتم تسييس القضايا أو تحويلها إلى مجرد صراعات داخلية بين الأجنحة الجامعية، يُفقد النقاش جوهره، وتضيع العدالة. إننا أمام ظاهرة تستدعي مقاربة وطنية جادة، تتجاوز ردود الفعل المرتبكة والمؤقتة، إلى رؤية واضحة تضع حماية الطلبة والطالبات في صلب الإصلاح الجامعي. ليست القوانين وحدها كافية، بل نحتاج إلى تغيير ثقافة السلطة داخل الحرم الجامعي، وإلى تعليم أساتذتنا كما نعلّم طلابنا، بأن العلاقة داخل الجامعة هي علاقة مسؤولية وأمانة، لا تبجح وتسلط.
من المقلق أن يتحول “الفضاء الأكاديمي” إلى مجال خوف، لا مجال ثقة. من المخزي أن تكتسب عبارة “الجنس مقابل النقط” طابعاً عادياً في أحاديث الطلبة. ومن المخيف أن نعتاد على هذه الأخبار وكأنها قدرٌ لا مفر منه.
الجامعة التي لا تحمي طلابها، لا تستحق أن تحمل اسم “مؤسسة تعليمية”. الجامعة التي تغض الطرف عن انحرافات كهذه، تساهم في إعادة إنتاج العنف الرمزي والمادي داخل المجتمع. إننا لا نحاسب فقط أستاذاً، بل نحاسب نظاماً. لا ندين فقط جريمة، بل نقف أمام مرآة مشروخة تعكس هشاشتنا الأخلاقية والمؤسساتية.
المعركة ضد “الجنس مقابل النقط” ليست معركة نساء فقط، ولا معركة ضحايا ضد جلادين. إنها معركة مجتمع يريد لجامعاته أن تنتج المعرفة لا الخوف، أن تصنع الحرية لا الإذلال، أن تفتح الآفاق لا أن تقايض الأحلام.
ربما لا نملك تغيير الماضي، لكننا نملك أن نرفع الصوت الآن، أن نكسر الصمت، وأن نضع اليد على الجرح لنمنع العدوى من الانتشار أكثر. هذا الوطن يستحق جامعات تليق بأبنائه، وأبناء الوطن يستحقون أساتذة يربّون العقول لا يساومون على الأجساد.