النموذج التنموي (الجديد) واشكالية التنزيل

النموذج التنموي (الجديد) واشكالية التنزيل
طلوع عبد الإله: دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

 

في البداية لا بد من الرجوع الى الخطب الملكية قبل حلحلة هذا الموضوع والذي تعتبر وثائق رسمية تعبر عن رؤية وتوجيهات الملك محمد السادس حول القضايا الوطنية والدولية. هذه الخطب غالبًا ما تتضمن تحليلاً للوضع الراهن، وتحديدا للأولويات، وتوجيها للحكومة والبرلمان لاتخاذ إجراءات معينة. وتُعتبر هذه الخطب أدوات للتواصل مع الشعب وتحديد استراتيجيات العمل على المدى القصير والطويل.

خطاب العرش 2019: قال الملك محمد السادس: “لقد حان الوقت لإطلاق عملية تجديد وإنعاش للنموذج التنموي المغربي، لتعزيز المكتسبات وتجاوز الاختلالات، بما يلبي حاجيات المواطنين ويواكب التحولات الوطنية والدولية.”

خطاب افتتاح البرلمان 2017 : قال الملك محمد السادس: “إن النموذج التنموي الحالي أصبح غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية.”

خطاب عيد العرش 2020: ذكر الملك: “إننا نعتبر أن نجاح أي خطة تنموية، مهما كانت جيدة، يظل رهينا بتوفر الشروط اللازمة لتطبيقها على أرض الواقع. ولهذا، ينبغي الانكباب على تنزيل النموذج التنموي الجديد، وجعله قاعدةً أساسيةً لكل السياسات العمومية في مختلف المجالات”.

 

وقبل الحديث عن موضوع التقرير الجديد للنموذج التنموي والذي يحمل العديد من التفاصيل والمعطيات عن الواقع المغربي بمختلف أبعاده، والذي تضمن أيضا جملة من التوجهات الإستراتيجية وجدولة زمنية للأجرأة. لابد من الإشارة الى السؤال الاستشكالي الجوهري الذي يجب طرحه وهو: الإطار النظري أو الفلسفي التي يؤطر هذا النموذج المقترح الذي من المنتظر أن يحدث قطيعة إبستمولوجية مع النماذج السابقة؟.
وإن كانت هناك استمرارية للنماذج السابقة فأين يقع التحول أو المنعطف حتى يمكن تسميته بالجديد؟ أو في حديث آخر هل كان هناك نموذج قديم، وأصابه العجز ونفذت قدراته على التطور، ليكون من المفروض أن يحل محله الجديد، ويكون مطالب بذلك أن يتجدد من أجل إرساء بنيات جديدة تحدث هزات أو رجات لتتأسس على أنقاض البنيات القديمة في سلاسة وأمن.
ومن جهة أخرى وفي ظل الطموحات الكبيرة التي يحملها النموذج التنموي الجديد بالمغرب لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، فإن هذا النموذج تواجه عملية تنفيذه العديد من التحديات والإكراهات. تتعلق هذه التحديات بمحدودية الموارد المالية، والتعقيدات البيروقراطية، والافتقار إلى التوافق السياسي، فضلاً عن الفجوات في البنية التحتية وضعف التأهيل البشري. فكيف يمكن للمغرب تجاوز هذه العقبات لتحقيق أهداف النموذج التنموي (الجديد) وضمان تحقيق تنمية مستدامة تشمل جميع فئات المجتمع ومناطقه المختلفة؟

وإن كانت هناك استمرارية للنماذج السابقة فأين يقع التحول أو المنعطف حتى يمكن تسميته بالجديد؟ أو في حديث آخر هل كان هناك نموذج قديم، وأصابه العجز ونفذت قدراته على التطور، ليكون من المفروض أن يحل محله الجديد، ويكون مطالب بذلك أن يتجدد من أجل إرساء بنيات جديدة تحدث هزات أو رجات لتتأسس على أنقاض البنيات القديمة في سلاسة وأمن.

صحيح أن مقاربة هذا المقال لا يمكن أن نناقش فيه كل الأبعاد التي طرحها التقرير، لكن كمتتبع ومهتم للشأن المغربي وما دام النقاش مفتوح للجميع؛ فمن حقي وحق الجميع أن يعتبرون أن هذا التقرير هو ورش للنقاش العمومي بهدف الإغناء والتطوير، أي لا يشكل سوى الحد الأدنى لما يمكن أن يطمح إليه المغرب. فيمكن أن نعتبره تعاقد، وبالتالي فهو الحد الأدنى لما يمكن الاتفاق عليه، ويبقى الطموح هو تحقيق مغرب قوي ورائد على المستوى الإقليمي والإفريقي والدولي؛ مغرب تسوده العدالة الاجتماعية ويحقق النماء الاقتصادي والتطور التكنولوجي..

إن التوجهات الإستراتيجية المتظمنة في تقرير النموذج التنموي الجديد لا تخرج عن الفلسفة العامة المؤطرة للنموذج أو النماذج السابقة. أي أنها لم تحدث القطيعة بل هي استمرارية لنفس السياسات والبرامج التي انخرط فيها المغرب؛ وهذا ما نلاحظه كون الاختيارات السياسية الكبرى التي عرفتها ودشنتها بلادنا خاصة منذ مطلع الثمانينيات ما زالت تؤطر النموذج الحالي.

صحيح كذلك أن هذا النموذج يتحدث عن “التوجه الجديد المنبني على توازن بين دولة قوية ومجتمع قوي”، لكن عندما تدقق في المقترحات تجد أن هناك تركيزا قويا على القطاع الخاص، وحتى مصادر التمويل وكيفية تمويل انطلاقة النموذج التنموي الجديد فإن القطاع الخاص هو المحرك للتنمية، معتبرا بذلك أنه يلعب دور مهم لتحقيق أهداف 2035 المسطرة في التقرير. يرسم التقرير بذلك طريق التنحي الدولة عن أدوارها في الاقتصاد. فبعد أن تعطي الانطلاقة في المراحل الأولى لتنفيذ النموذج، فإن المكان سيتسع رويدا رويدا للقطاع الخاص، وإمكانية تعويض بعض أدوار الدولة من طرف القطاع الثالث.

الفلسفة المتحكمة هي امتداد للسابق، وليس قطيعة معه. ربما الجديد هو بما أتى مرافق للعنوان أي: “تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع”.
ويمكن اعتبار هذا هو الغاية التي يجب على المغرب أن ينشدها لتحقيق النمو والتقدم. فهل تحقيق “الرفاه للجميع” يعني بالضرورة تحقيق “الرفاه لكل فرد داخل المجتمع”؟ لا أظن ذلك، لأن التجارب السابقة علمتنا أن التوازن الأمثل أو الأفضل الكلي أو الجمعي ليس بالضرورة هو توازن جزئي أو فردي. لذا، هناك احتمال كبير أن تكون نتيجة هذا النموذج ظهور سلبيات اجتماعية واقتصادية تضيع علينا الفرصة مرة أخرى لما يطمح إليه المغرب (أما استعادة الثقة وتحرير الطاقات فهما موضوعان مهمان لا يتسع المقال لتحليلهما).

من جهة أخرى، تجد أن من بين شروط التنزيل والتطبيق ـ كما هي مسطرة في النموذج التنموي الجديدـ على الجهاز الإداري أن يكون “بعيدا عن منطق الإنتماء الحزبي وأن يتم توضيح اختصاصاته بشكل دقيق بحيث يتم الفصل، من جهة بين المستوى الإستراتيجي ومستوى وضع السياسات العمومية الذي يدخل في نطاق المجال السياسي، ومن جهة أخرى بين مستوى التقنين الذي هو من اختصاص الإدارة والمستوى العملي المكلف بالتنفيذ والتتبع الذي يعهد به إلى المتدخلين العموميين أو الخواص على المستوى الترابي” (تقرير النموذج التنموي الجديد، 2021، ص. 137). هناك أسئلة عديدة تطرح: أي دور سيعطى للمؤسسات الحكومية، خاصة مع مقترح إحداث “ميثاق وطني من أجل التنمية” يلزم الجميع، والذي يلخص ست عبارات أساسية: تحمل المسؤولية، التمكين، التفريع، الشراكة، الاستدامة والإدماج؟

أخيرا، لا يمكن أن ننكر أن المغرب انطلق في مشاريع وإصلاحات بنيوية عميقة عديدة جعلته يسجل تقدما في مجالات عديدة؛ كما أن النموذج التنموي (الجديد) بالمغرب يتميز بعدة جوانب تجعله طموحاً وشاملاً، ومن أبرز مميزاته:

الرؤية الشاملة: يركز النموذج على تحقيق تنمية شاملة تغطي جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بهدف تحسين جودة الحياة للمواطنين.

الاستدامة: يضع النموذج أهمية كبيرة على التنمية المستدامة، من خلال مشاريع تراعي الجوانب البيئية وتحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

الإدماج الاجتماعي: يهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص متساوية لجميع المواطنين.

التكنولوجيا والابتكار: يركز على تشجيع الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الخدمات العامة.

الحكامة الجيدة: يعزز النموذج مبادئ الحكامة الرشيدة من خلال تحسين الإدارة العامة، وتعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد.

المشاركة المجتمعية: يشجع على مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في عملية اتخاذ القرارات وفي تنفيذ المشاريع التنموية.

التوازن بين المناطق: يسعى إلى تحقيق تنمية متوازنة بين المناطق المختلفة في المغرب، للحد من الفوارق الجغرافية وضمان توزيع عادل للموارد.

تشجيع القطاع الخاص: يدعم النموذج دور القطاع الخاص كفاعل أساسي في التنمية من خلال خلق بيئة استثمارية ملائمة وتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة.

التركيز على التعليم والصحة: يعطي أهمية خاصة لتطوير نظام التعليم وتحسين الخدمات الصحية لضمان بناء رأسمال بشري قوي ومؤهل.

تعزيز البنية التحتية: يهدف إلى تطوير وتحسين البنية التحتية في مختلف القطاعات مثل النقل والطاقة والمياه، لدعم النمو الاقتصادي وتلبية احتياجات المواطنين.

هذه المميزات تجعل النموذج التنموي الجديد بالمغرب إطاراً طموحاً لتحقيق تحول شامل ومستدام في البلاد.

لكن اعتقد انه هناك خلل جوهري يجعله لا يستفيد من كل المجهودات المبدولة، وأظن أهمها البنية السياسية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *