الشباب وصناعة القرار السياسي: هل يمكن كسر الحواجز؟

في عالم يتسم بالتغيرات السريعة والتحولات الجذرية، يبرز سؤال محوري: هل يمكن للشباب أن يلعبوا دورًا حقيقيًا في صناعة القرار السياسي، أم أنهم سيظلون مقيدين بحواجز العمر والبيروقراطية والتقاليد السياسية الراسخة؟
تشير الإحصاءات إلى أن الشباب تحت سن 35 عامًا يشكلون أكثر من 60% من سكان العالم العربي، لكن تمثيلهم في البرلمانات والحكومات لا يتجاوز 5% في أفضل الأحوال. هذه الفجوة الواسعة بين الديموغرافيا والمشاركة الفعلية تطرح تساؤلات حول مدى انفتاح الأنظمة السياسية على الأجيال الجديدة، وقدرة الشباب على اختراق هذه المنظومة.
في كثير من الدول، تُعتبر التجربة السياسية والولاءات الحزبية معايير أساسية للوصول إلى مراكز صنع القرار، مما يجعل الشباب – الذين يفتقرون غالبًا إلى هذه “الخبرة” – في وضع غير مؤهل وفقًا للمعايير التقليدية. لكن هل يمكن اعتبار العمر أو قلة الخبرة السياسية عائقًا أمام الإبداع والرؤية الجديدة؟
رغم التحديات، هناك نماذج ملهمة حول العالم تثبت أن الشباب قادرون على إحداث فرق. ففي نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن أصبحت رئيسة للوزراء في سن 37، وقادت بلادها بأسلوب مختلف يعتمد على الشفافية والتواصل المباشر مع الشباب. وفي فرنسا، حقق إيمانويل ماكرون انتصارًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية عام 2017 بعمر 39 عامًا، محطمًا التقاليد السياسية القديمة.
حتى في العالم العربي، بدأت تظهر أصوات شابة تتحدى الوضع الراهن، سواء عبر المنصات البرلمانية أو من خلال الحركات الاجتماعية. في تونس، مثّل الشباب وقود الثورة وأصبحوا لاحقًا جزءًا من المشهد السياسي رغم التحديات. وفي السودان، كانت القوة الشبابية حاسمة في إسقاط نظام البشير والمطالبة بتحول ديموقراطي
لكن الطريق لا يزال محفوفًا بالعقبات، أبرزها:
1. الأنظمة السياسية التقليدية: كثير من الأحزاب والهيئات التشريعية لا تزال تعتمد على التراتبية العمرية والولاءات القديمة، مما يصعب على الشباب الوصول إلى مراكز القيادة.
2. غياب التمويل والدعم: الحملات الانتخابية تحتاج إلى موارد مالية كبيرة، وهو ما يعجز عنه معظم الشباب مقارنة بالنخب السياسية القائمة.
3. القوانين المقيدة: بعض الدول تفرض قيودًا على الترشح للانتخابات تشمل الحد الأدنى للعمر أو الخبرة السياسية، مما يحرم فئة كبيرة من المشاركة.
4. الإحباط وعدم الثقة: كثير من الشباب يشعرون بأن العمل السياسي غير مجدٍ أو فاسد، فيفضلون الابتعاد عنه تمامًا.
كيف يمكن كسر الحواجز؟
لتحقيق مشاركة حقيقية للشباب في صنع القرار، لا بد من:
– إصلاح القوانين: خفض سن الترشح، وإلغاء الشروط التعجيزية، وتبني نظام الحصص (الكوتا) للشباب في المجالس التشريعية.
– تمكين الأحزاب الشبابية: دعم تكوين أحزاب سياسية يقودها شباب، وتوفير منصات إعلامية تعطي لهم مساحة أكبر.
– التعليم السياسي المبكر: إدراج التربية المدنية في المناهج الدراسية، وتشجيع الحوارات السياسية في الجامعات.
– التكنولوجيا كأداة للتغيير: استخدام منصات التواصل الاجتماعي لحشد التأييد ونشر الأفكار.
الشباب ليسوا مجرد مستقبل الأمة، بل هم حاضرها. التحديات كبيرة، لكن التاريخ يثبت أن التغيير يبدأ دائمًا بفكرة يتبناها شباب يؤمنون بإمكانية كسر الحواجز. السؤال ليس “هل يمكن كسرها؟”، بل “متى وكيف؟”.
الفرصة قائمة، لكنها تحتاج إلى شجاعة الشباب وإرادة الأنظمة في فتح الأبواب. وإذا تحقق ذلك، فقد نرى قريبًا جيلًا جديدًا من القادة الذين يصنعون السياسة بأفكار مبتكرة، بعيدًا عن قيود الماضي.